أخبار

نهر من الإبداع يتدفق في “بيت الشعر” بالشارقة ومحاضرة على هامش ورشة “فن الشعر والعروض”

نجوم الأمسية: محمد الأحمدي و مجدي الحاج و إباء الخطيب

محمد عبدالله البريكي يتوسط الشعراء ومقدمهم بعد تكريمهم من اليمين محمد الجبوري ومجدي الحاج وإباء الخطيب ومحمد أحمو الأحمدي

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

احتفى بيت الشعر قي دائرة الثقافة بالشارقة الثلاثاء الموافق 6يونيو 2023 بالشعراء محمد أحمو الأحمدي من المغرب، وإباء الخطيب من سورية، و د. مجدي الحاج من السودان،الذين أحيوا أمسية شعرية تنوع فيها جمال الشعر بلغته وصوره فكانت نهرًا من الإبداع . قدم للأمسية الشاعر السوري محمد الجبوري، الذي أشاد بالدور الكبير الذي يرسخه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في المشهد الثقافي باهتمامه ورعايته للشعر والشعراء، وما يقوم به بيت الشعر في الشارقة لتقديم فعاليات شعرية مستمرة،

 تصدر الحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، و استهل الأمسية الشاعر محمد أحمو الأحمدي بمجموعة من قصائده منها قصيدته “زَقْزَقَة”التي يعبر فيها عن حبه وطنه المغرب بكلمات شفافة تفوح منها رائحة الورد:

وأزهرتِ الحياةُ بكل لونٍ

من الزهرِ الجميلِ المستطاب

يُـغنِّي للمحبةِ كُلُّ قلبٍ

خَفيفِ الظِّلِّ مَحْرُوسِ الْجَوَابِ

لكلِّ الناسِ غاياتٌ وخَيْلٌ

وبَـوْصَلَةٌ تَئِنُّ مِنَّ الصِّعَابِ

ولي شِعرٌ يُضيءُ سماءَ رُوحِي

ويَحمِلُنِـي إلى مُدُنِ السَّحَابِ

أنامُ على الْحَقيقةِ مُسْتَرِيحًا

وأعلَمُ أنَّها في كُلِّ بابِ

أمُرُّ كَـمَا يَمُرُّ النَّحْلُ.. لَكِنْ

أكابِرُ عندَ مُنْعَرَجِ الهضابِ

هُنا انسكبتْ تباريحُ الْمُعنّى

وغَادَرَ كُلَّ آلاَمِ الشَّبَابِ

وألْقَى الشِّعْرَ وَرْدًا مَغْرِبِيًّا

إلى وَطَنِ الْفَرَادِيسِ الرِّحَابِ

إلى وَطَنٍ كأنَّ الْـحُبَّ فِيهِ

هَواءٌ لا يُــمَيِّزُ أو يُحـَــــابِي

إلى وَطَنٍ يُؤنْسِنُنَا سَــلَامًا

نُحَصِّنُهُ بفــــاتِـحةِ الْكـــــتابِ

وفي قصيدته “يُحاولون..” التي تفيض اعتزازا واعتدادًا بشعره يقول:

يَـدْرُونَ أنّـكَ من قوم صَنادِيدِ

وأن قلبَكَ مِشكاةُ الأناشيدِ

يَدْرونَ أنكَ من نُورٍ.. يُـؤرِّقُهم

ما أنتَ فيهِ.. وأمجادُ الأماجيدِ

يُحاوِلون استراقَ السَّمع.. كيفَ لَهُمْ

أن يَرجُـمُوكَ بأحْـلامِ المَواليدِ؟

يا سِحْرَ شِعْرِكَ مَسكونًا بعِزّتِهِ

تذُبُّ عنه القوافي بالزغاريدِ

تلوذ بالصَّمْتِ والعادُونَ في شُغُلٍ

لا يَبرحون ميادينَ التقاليدِ

يا عيدَ أصحابِكَ الغالِـينَ.. مذ عَـرَفوا

صدقَ المُحِبِّ تنادَوْا يا هَـوَى العيدِ!

مَـرُّوا خِفافا كِـرَاما.. ليتَهم سكَنوا

كلَّ الأماكنِ في دُنيا المَناكِـيدِ

وتتجلى الوجدانية في قصيدته “رباعياتُ عاشقٍ من سوس” التي نعكس حب الوطن بلفتة عاطفية عبر مخاطبة الحبيبة “يا معذبتي”:  

 (1)

أَسِيرُ مُعَذَّبـاً وَجِلاً

كَسِيرَ الْقَلْبِ فِي الطُّرُقِ

جُنُونُ الْحُبِّ حَيَّرَنِي

وَصَيَّرَنِي بِــلاَ أُفُقِ

أحِبُّكِ رَغْمَ قَسْوَتِهِ

ورغْمَ جَسَامَةِ الْقَلَقِ

فَرِفْقاً يا مُعَذِّبَتِي

بِهَذا الْعاشِقِ النَّزِقِ

 (2)

سَلِمْتِ رَفِيقَةَ الأفراحِ

مِنْ يأسٍ وَمِنْ بَاسِ

لأنَّكِ أجْمَلُ امرأةٍ

أُعِيذُكِ مِنْ أذَى النَّاسِ

خيالُكِ لا يُفَارِقُنِي

كإحْسَاسِي وأنْفَاسِي

أراكِ شَفِيفَةَ الْمَعْنَى

كَمَاءِ الْمُزْنِ فِي الْكَاسِ

(3)

أَعُودُ إِلَيَّ مُرْتَعِشاً

كَمُغْتَرِبٍ بِلَا وَطَنِ

فُؤَادِي لَمْ يَزَلْ سَكَناً

لِمُدَّخَرٍ مِنَ الشَّجَنِ

إذا ذُكِرَ اسْمُهَا انْتَفَضَتْ

جَمِيعُ مَفَاصِلِ الزَّمَنِ

أَحِنُّ إلَى مَلاَمِحِهَا

لأرْسِيَ عِنْدَهَا سُفُنِي

 (4)

أســــــافرُ في تأمُّلِهَا

وَأقرأُ وَجْهَهَا الأزْهَرْ

أُحَاوِلُ فَكَّ شَفْرَتِهَا

بِسِحْرِ وِشَاحِهَا الأحْمَرْ

رُؤىً تُعْيِي مُؤَوِّلَهَا

وَتُحْيِي الشَّارِحَ الأكْبَرْ

أنامُ ولا تنامُ يَدِي

تُدَاعِبُ شَعْرَهَا الأشْقَرْ

وحلقت الشاعرة إباء الخطيب في فضاء الإبداع بمجموعة من قصائدها منها قصيدتها “أرق الحطام!” البديعة في صورها السامية في معانيها:

أنا ما عرفتُـــكَ..

                إنّما

                 قَلقُ القصيدةِ صبَّ في حرفي رؤاكَ فأترعا

ما بيننا…  أرقُ الحطـــــــامِ؛

                       وقد تنفَّسَ تحتَهُ الوجعُ النديُّ وأفرعا

ما بيننا ثقتي بأنّكَ لم تغِبْ.. إلّا لتُشرق في القصيدةِ مَطْلعا

سكنتْ عيونُ الليلِ

                وانتفضَ الصدى..

    لِيردّ عنّا تَمْتماتِ مَـــــنِ ادّعى

فالعابرونُ إلى حنينكَ خلسةً..

               قد هللُّــــوا للخصــــــــبِ حيـــــن تشجَّــــعا

والواقِفونَ على مداركَ كوكباً

              قد أســـــــرفوا بالفجرِ كيـــــــــلا يَخضَعا

والوارفونَ على ضِفافكَ ما دروا

             أنْ نبعَـــــــهم يروي الجموحَ إذا سعى

من يُقــــــنعُ الزيتـــــــــــــونَ أنَّكَ راجعٌ؟!

  يا كَفّهُ الخضراء.. هل يبسَ الدُّعا؟؟

قل لي:

 ألم تَسْكبْ على دَربِ الحكاية ماءَنا..

                      قبل الرحيل مُودّعا…؟

أوَ مَا انتبهتَ إلى خُطاكَ تعبُّ

                 من جِنّــــــاتِ أُفقِي

              ما أُتِيحَ.. وأَيْـــــنَـعا

فالشعرُ ينبتُ عن يمينكَ

فكرةً

لم تكترثْ للظنِّ حين تضرّعَا

أنا ما عَرفتُك؛

إنَّما مُذ كُنتَني _ للشّـــعْرِ_

 إحســـــــاسًا بنـــا قد وُزِّعا

هو واحدٌ

 هو ماجدٌ

هو باسطٌ كفَّ الشذا؛ مِنْ قبلِ أنْ يَتضوّعا

هو لهفةُ المعنى لنشوةِ شاعرٍ

 فــــــــردَ المدى من حولِـــــه… وتقوقعا!

ما بيننا: نيــــسانُنا؛ وضميرُنا

وقصـــــــــــــيدةٌ فرعــــــــاءُ

وتقول في قصيدتها الموجهة إلى أبيها بما تنطوي عليه من ذكريات وأسئلة تثثقل ذهن الشاعرة:

 هيّء غرورَكَ يا أبي

وافتح نوافذك القديمةَ وابتكر..

ما تشتهي؟!

فلديَّ ذاكرةٌ يطوّقها الندى

ويفيض عن يدها البُكا..

قل يا أبي

كم مرّةً سحبتك ألسنة الغياب عن الكلامْ؟

وكم تنفَّسكَ الرحيلُ وأنتَ في جسد المنامْ؟

وكم تململ وجهكَ البدرُ الأنيقُ

وقد تأوًّهتِ الحكايا في شوارِعنا/ المتاهْ.

ما بال وجهك يا أبي؟

يبدو كأنَّ رسالةً نثرته في كفِّ الهمومْ!

وكأنَّ أسئلةً تحومْ!

وكأنني ما جئتُ كي أهبَ الحياهْ!

*******

لمّا أجرّب بعدُ  ياورد الحكايةِ أن توافيك الحقيقة في يدي.

فجلال عينيك ابتسام مستحيلْ

وجبينك السر الأبيْ

والحبرُ يخبو في مدادي يا أبي!

لمّا أجرّب بعد أن أرتاح في عينيكَ

 أنْ أعدَ السماء بنزهةٍ نشوى إليك

لكي تهجئ لي صلاتي نجمةٌ في معبدكْ

لمّا أجرّب بعد يا أبتِ الفرار من القصيدةِ..

 كي أحطَّ على يدِكْ.

*******

سبحان مَن فتحَ الورقْ

آتيكَ من قلقي ومن سحب الأرق

أتيكَ..

ألفُ رسالة توّاقةٌ لتضمّها بالحبِّ والثقةِ القديمةْ…

بي من فَتَاتِك مثلما هيّأتها: الأمَّ العظيمةْ!

ومعي الذي قد كان فيك من التشبّثِ بالحنانِ!

مهما تجرّعتً التوجّسَ.. ذكرياتِ العاطلين عن الخطايا والأماني..

أنا يا أبي..

مرصودةٌ للوجدِ.. مازالتْ رؤاي تفتّقُ الحقلَ الجليلَ بمقلتيكْ

مازال توقي للتورّدِ ساهمًا في النورِ

يسبقني إليكْ..

أنا لم أزل أحبو وأشرعتي تجرّ وراءها خيبات من عبروا السياج

ومن بكوا..

*******

هيّء دموعكَ يا أبي..

أتراك تذكرُ حين كنتُ بحقلِنا روحًا صغيرةْ

تفكُّ ليْ أمي الضفيرة!

وأراك تثمل بالدعاء عسى

أفوح على ضفاف الأغنيات قصيدةً

ملء الندى!

جذلى يراقصني الصدى

دعْ عنكَ ذاكرتي وحدّق في غدي..

أبتاهُ!

 يلزمني شهيقٌ وارفٌ حتى تمدَّ ليَ المقاصدُ وعدَها

وسأذكرُ الطعناتِ لكن..

لن أحاولَ

لن أحاولَ

 في حضورَك عدَّها

حتى أحبّكَ يا أبي.. من دون موتْ!

هذي فتاتك يا أبي

مرصودةٌ

لكن ستهدي للقصائد وجدَها:

-هذي فتاتُكَ يا أبي

تسقي غيابَك وحدها

                  تسقي غيابَك وحدَها..

وختم الأمسية الشاعر مجدي الحاج بعدد من قصائده العميقة معنى والقوية مبنى. يقول في قصيدته “تغريبة الحب و(الْكُوفِيد)” التي يستحضر فيها تداعيات الحجر ومعاناة الفقراء:

(1)

سَيَنَامُ طِفْلٌ حَالِمٌ

لَنْ تَغْتِنِي مِنْهُ (الْكِمَامَةَ)

سَوْفَ يَأْتِي ضَاحِكًا

لَكِنَّ جَدَّتَهُ الْمَرِيضَةَ لَنْ تَدُسَّ (التَّمْرَ) بَيْنَ يَدَيْهِ

أَوْ قَدْ تَصْطَفِيهِ بُقْبَلَةٍ

رَعْنَاءَ مِنْ فَوْقِ الْجَبِينْ..

(2)

سَيَكُونُ ثَمَّةَ حَارِسٌ

لِيُرَاقِبَ الطُّرُقَات

كَيْ يَحْمِي الصِّغَارَ مِنَ (الْوَبَاءِ)

فَبَعْضُهُمْ مُتَفَلِتُونْ..

(3)

لَكِنَّ حَظْرًا لِلتَّجوُّلِ

خَاتَلَ الْفُقَرَاءَ

حَتَّى لَمْ يَعُدْ فِي وُسْعِهِمْ

إِطْعَامُ أَطْفَالٍ جِيَاعٍ

تَشْتَكِي مِنْ حُزْنِهَا

وَتَمُوتُ مِنْ أَلَمِ الْبُطُونْ..

(4)

حَتْمًا سَتَنْكَسِرُ السَّعَادَةُ

سَوْفَ يَرْحَلُ رَكْبُهَا

سَيُصَابُ صَدْرٌ بِـ (ـالسُّعَالِ)

بِفِتْنَةِ الْمَرَضِ اللَّعِينْ..

(5)

حَتْمًا سَيَهْزِمُنَا حِصَارُ (الْحَجْرِ)

سَوْفَ يُذِلُّنَا (الْعَزْلُ) الْمُمِضُّ

وَسَوْفَ تَخْذِلُنَا الْمَسَافَةُ وَالسُّنُونْ..

(6)

حَتْمًا سَيُشْعِلُنَا (الْوَبَاءُ )

كَشَمْعَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ

مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْحَنِينْ..

(7)

فَهُنَاكَ أُمٌّ قَدْ تُفَارِقُ طِفْلَهَا

وَالْمَوْتُ (بُومٌ) عَابِسُ الْقَسَمَاتِ

مِنْ فَوْقِ الْخَرَائِبِ لَا يَحِنُّ وَلَا يَلِينْ..

(8)

وَهُنَاكَ بَرْدٌ فِي الطَّرِيقِ

شَوَاهِدٌ لِلْمَوْتِ

لَا تَمْتَدُّ إِلَّا خَلْفَ أَجْرَاسِ الْكَنَائِسِ

وَابْتِهَالَاتِ الدُّعَاءِ

بِفِطْرَةِ الْبَلَدِ الْأَمِينْ..

(9)

وَهُنَاكَ كَهْلٌ فِي (الْعِنَايَةِ)

يَحْتَمِي مِنْ خَلْفِ (أَجْهِزَةِ التَّنّفُّسِ) صَاغِرًا

يَقْتَاتُ مِنْ أَوْجَاعِهِ

قَدْ كَانَ يَوْمًا قَائِدًا

قَدْ عَلَّمَتْهُ الْحَرْبُ أَنَّ الْمَوْتَ يَخْتَصِرُ الْحَيَاةَ

بِهَمْسَتَيْنِ مِنَ الْجُنُونْ..

(10)

وَلَطَالَمَا حَشَدَ الْبَنَادِقَ وَالْبَيَادِقَ

وَارْتَوَى مِنْ لَعْنَةِ الْأَطْفَالِ

وَهْوَ يُذِيقُهُمْ مِنْ بَطْشِهِ

لَا تَحْزَنُوا

فَالْآَنَ يَشْتَدُّ الْحِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ

أَوْجَاعِ (فَيْرُوسٍ) صَغِيرٍ

قَدْ تَرَبَّى فِي الظُّنُونْ..

(11)

الْآَنَ يُدْرِكُ أَنَّ (نِيشَانًا) رَخِيصًا

قَلَّدَتْهُ لَهُ الطُّغَاةُ

لِكَيْ يَصُونَ عُرُوشَهَمْ

هُوَ لَيْسَ أَغْلَى مِنْ دِمَاءِ الْأَبْرِيَاءِ

وَلَيْسَ أَثْمَنَ مِنْ بَقَاءِ الْجِسْمِ

فِي إِحْسَاسِ صِحَّتِهِ الثَّمِينْ..

(12)

إِنَّهُ (الْكُوفِيدُ) ذِئْبٌ

مَرَّ مِنْ فَوْقِ الطَّرِيدَةِ مُسْتَفِزًّا ذُعْرَهَا

لَكِنَّ عِطْرًا عَامِرًا بِالْحُبِّ

يُخْبِرُنَا بِأَنَّ الْوَرْدَ

لَنْ يَنْسَاقَ لِـ (ـلْإِغْلَاقِ)

لَنْ يُصْغِي إِلَى صَوْتِ التَّدَابِيرِ الْمُمِضَّةِ

لَنْ يُهَرْطِقَ كَالْجَمِيعِ

وَلَنْ يَعِيشَ مَعَ الْأَنِينْ..

(13)

سَيَظَلُّ يَطْلُعُ فِي الرَّبِيعِ

مُحَمَّلًا بِالْعِطْرِ

حَتَّى يُلْهِمَ الشُّعَرَاءَ مَا يُحْصُونَهُ

فَجَمِيعُهُمْ مُتَفَائِلُونْ..

(14)

وَالطَّيْرُ لَنْ يَعْتَدَّ بِالْأَعْبَاءِ

لَنْ يُصْغِي لِـ (ـفَيْرُوسٍ) صَغِيرٍ

كَانَ يَقْبَعُ فِي السُّجُونْ..

(15)

سَيُواصِلُ الْإِنْشَادَ

لَا لَنْ يَسْتَبِدَّ بِحُزْنِهِ

وَالسُّحْبُ لَا لَنْ تَسْتَقِيلَ

وَلَنْ تُبَارِحَ سَكْبَهَا

وَالصُّبْحُ لَا لَنْ يُوقِفَ الْإِيفَاءَ

بِالْوَعْدِ الْمَكِينْ..

(16)

سَيَظَلُّ طِينٌ مُفْعَمٌ بِالْحُبِّ

يَخْرُجُ مِنْ دِمَاءِ الْمَوْتِ حَتَّى

يَسْتَفِزَّ خَرِيطَةَ الْمَعْنَى

فَإِذّا بِوَجْهِ الْحُبِّ

يَبْتَكِرُ الطَّرِيقَ إِلَى النَّجَاةِ

إِلَى أَمَانِ الْخَائِفِينْ..

وفي قصيدته “دَرَاوِيشٌ مِنْ مَحْضِ الْحُب”  يقول:

جَاؤُوا مَعَ الْفَجْرِ

بَيْنَ الطَّمْيِ قَدْ وُلِدُوا

مُذْ كَانَ لِلأَرْضِ

فِي اسْتِشْرَافِهِمْ مَدَدُ

كَانُوا مُنَاوَرَةً

لِلْحُبِّ مَا اكْتَمَلَتْ

لَكِنَّهُمْ بِجَمَالِ الْحُبِّ قَدْ وُجِدُوا

ويمضي في تعداد صفاتهم كأنه يصنع عقدًا من الشمائل والقيم:

هُمْ أَوَّلُ النَّاسِ فِي ذِكْرِ الشُّمُوخِ

كَمَا

هُمْ آَخِرُ الْقَوْمِ

فِي الْإِحْسَانِ تُفْتَقَدُ

كَانُوا فَرَاشًا

وَكَانَ الزَّهْرُ يَتْبَعُهُمْ

وَكَانَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَلْيَائِهِمْ تَرِدُ

يُسَافِرُ النُّبْلُ

فِي الْإِحْسَاسِ مِنْ دَمِهِمْ

وَيَسْكُنُ الصَّبْرُ

وَالْإِيمَانُ وَالْجَلَدُ

قَدْ عَانَقَتْهُمْ غُصُونُ الْآَسِ فَارْتَكَبُوا

غِوَايَة الْآَسِد

مُذْ بِالطِّيبِ قَدْ حُمِدُوا

شَمْسُ النَّهَارِ لَهَا مِنْ ضُوءِ طَلْعَتِهِمْ

حُسْنٌ يُرَافِقُهَا

وَالْحُسْنُ قَدْ يَلِدُ

كَانُوا انْغِمَاسًا بِمَحْضِ الْغَيْبِ

قَدْ سَكَبُوا

كَأْسَ الْوِصَالِ

عَلَى الأَوْرَادِ وَارْتَعَدُوا

جُوعَانِ فِي دَمِهِمْ عِشْقٌ وَمِسْبَحَةٌ

ثُمَّ ارْتِقَاءٌ

بِمَا فِي الْحُبِّ يَنْعَقِدُ

وفي “خروج على الذات” يصور ذاته الخالمة بقوله:

هَذَا أَنَا..

غَجَرِيَّةٌ أَفْكَارُ رُوحِيَ رُبَّمَا..

هَمَجِيَّةٌ تِلْكَ الطُّقُوسُ الْهَائِمَاتُ

بِفِكْرَتِي..

عَدَمِيَّةٌ

مُنْذُ اسْتَضَاءَتْ بِالْعَمَى..

جَفَّتْ عَلَى اللُّغَةِ الْيَبَاسِ قَصَائِدِي..

وَتَبَرَّأَتْ مِنِّي الْقَصَائِدُ رُبَّمَا..

وَلَطَالَمَا انْسَكَبَتْ رُؤَايَ عَلَى دَفَاتِرِ

وَحْشَتِي..

وَلَطَالَمَا جِئْتُ الْمَسَافَةَ مُرْغَمَا..

لَا لَمْ أَعُدْ ذَاكَ الْفَتَى الْمُمْتَدَّ بَيْنَ

أَصَابِعِي..

كِضِيَاءِ شَمْسٍ حَالِمٍ

قَدْ هَدْهَدَتْهُ الشَّمْسُ حَتَّى يَحْلُمَا..

لَا لَمْ أَعُدْ كِحِكَايَةٍ

فِي فُلْكِ نُوحٍ قَدْ طَوَتْ أَحْدَاثَهَا

الْمُتَجَهِّمَاتِ

فَلَمْ أَعُدْ مُتَجَهِّمَا..

لَا لَمْ أَعُدْ كِدِيَارِ مَيَّةَ عِنْدَمَا..

قَدْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْهَا الْمُبْهَمَا..

هَذَا أَنَا..

مَا عَادَتِ الْكَلِمَاتُ تُورِقُ فِي دَمِي..

حُلُمًا جَمِيلًا قَيِّمَا..

وَمَعِي هُنَا

قَارُورَتَانِ مِنَ الْحَنِينِ الْمَحْضِ

حِينَ تَكَلَّمَا..

أَيْقُونَتَانِ مِنَ الرُّؤَى

حَتَّى امْتَلَأْتُ بِحَاضِرِي

ويجنح إلى الغزل في “سوناتا  الرُّوح” لكنه غزل غير عادي ممزوج بالمعاني والدلالات الفلسفية :  

يَا رُوحَ الْعِطْرِ وَكُنْهَ الْمَاءِ..

غِيبِي

عُودِي

كُونِي ظِلًّا

كُونِي شَمْسًا

كُونِي رَفْضًا

كُونِي “أَلِفِي” كُونِي “يَائِي”..

يَا “سُونَاتَا”:

هَلْ فِي الدَّهْشَةِ غَيْرُ وَفَائِي؟!..

هَا قَدْ عُدْتُ لِأَكْتُبَ شِعْرًا

فِي عَيْنَيْك

هَا قَدْ عُدْتُ لِأَقْطِفَ زَهْرًا

مِنْ شَفَتَيْك

هَا قَدْ عُدْتُ لِأًنْثُرَ عِطْرًا

بَيْنَ “الْحَاءِ” وَبَيْنَ “الْبَاءِ”..

هَذَا الْعُشْبُ الْأَخْضَرُ غَنَّى

بِاسْمِ جَمَالِكِ

فِي صَحْرَائِي..

يَا سَوْسَنَتِي

يَا سَاكِنَةً بَيْنَ ضُلُوعِي

يَا مُشْرِقَةً فِي أَشْيَائِي..

خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى تِكْرَارِكِ

غَابَتْ شَمْسٌ

ذَابَ الْحُزْنُ

وَغَادَرَ وَقْتُكِ مِنْ بُرَحَائِي..

هُزِّي جَذْعِ الْحُبِّ إِلَيْكِ

لَعَلِّي “أَقْرَأُ” نَبْضَ

“حِرَائِي”..

كُونِي مَطَرًا

كُونِي قَمَرًا

كُونِي أُغْنِيَةً تَتَثَنَّى فِي خُيَلَائِي..

يَا عَاشِقَتِي:

وَحْدِي أَعْرِفُ سِرَّ اللَّهْفَةِ

فِي عَيْنَيْك

وَحْدِي أَقْطِفُ زَهْرَ اللَّوْعَةِ

مِنْ شَفَتَيْك

وَحْدِي أَسْبَحُ نَحْوَ ضِفَافِكِ

كَيْ أَتَقَرَّبَ مِنْ مَيْنَائِي..

يَا ذَاكِرَتِي

يَا عُصْفُورَةَ حَقْلِ الرُّوحِ

وَيَا مُمْطِرَةً

كَالْإِحْسَاسِ بِنَبْضِ دِمَائِي..

يَا وَاقِفَةً

فَوْقَ رَصِيفِ الْعُمْرِ الْعَابِرِ

هَلْ يُمْكِنُنَا

أَنْ نَتَقَابَلَ كَالْغُرَبَاءِ؟!..

هَلْ يُمْكِنُنَا

أَنْ نَسْتَثْمِرَ بَعْضَ الْوَقْتِ

لِكَيْ نَتَنَاقَشَ فِي أَخْطَائِي؟!..

لَسْتُ مَلَاكًا

لَسْتُ نَبِيًّا

كَيْ أَتَبَرَّأَ مِن إِغْوَائِي..

أَوْ أَتَبَاعَدَ عَنْ أَهْوَائِي..

كَمْ يَنْقُصُنِي

حَتَّى أُصْبِحَ بَطَلَ الْقِصَّةِ

دُونَ عَنَاءِ؟!..

كَمْ يَلْزَمُنِي

حَتَّى أُتْقِنَ فَنَّ الشِّعْرِ

وَأَنْ أَتَفَلْسَفَ كَالشُّعَرَاءِ؟!..

كَمْ يَنْقُصُنِي

كَيْ تَنْزَعِجِي

مِنْ خُذْلَانِكِ يَا سَمْرَائِي؟!..

عُودِي

انْبَثِقِي

لَا تَنْتَحِرِي فِي أَجْوَائِي..

عُودِي

انْبَثِقِي

كُونِي قَافِيَةً

لِلْحُبِّ

وَنَجْمَةَ وَجْدٍ فَوْقَ سَمَائِي

وفي ختام الأمسية كعادته كرّم الشاعر محمد عبد الله البريكي الشعراء المشاركين ومقدمهم والتقط معهم صورة تذكارية.

 

د. محمد الأمين السملالي

جانب من حضور المحاضرة

 

    د. محمد الأمين السملالي في جولة أدبية

وسبقت الأمسية محاضرة على هامش ورشة “فن الشعر والعَروض – 15” في الرابع من يونيو  2023 في “بيت الشعر” وألقاها د. محمد الأمين السملالي تحدث فيها عن أهمية اللغة بالنسبة إلى الشاعر و عرض رؤية لقصيدة “فتح عمورية” لأبي تمام وتتوقف عند الفراق بين الشعر المصنوع والشعر المطبوع مشيرًا إلى الشاعرين أبي تمام والبحتري أنموذجين  لهذين النهجين في الشعر ، وكان حديثه إجمالًا جولة في جانب من فضاء الأدب العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مجلة البعد المفتوح ..
    تزداد ألقا، و تألقا ..وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى