مواصلة التأملات في توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها، لعلهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض
نواصل في هذه الحلقة، الحديث عن أوجه الشبه بين البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية، والبناء الهيكلي التركيبي للكون.
٣ – ١: البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية
ذكرنا سابقاً أن الذرة العنصرية تتركب من جزأين رئيسين هما:-
أ- نواتها، التي تضم البروتونات، وجسيمات أخرى أهمها النيوترونات.
ب – ما يحيط بالنواة من أغلفة مدارية تتحرك ضمن أطرها الشحنات السالبة (الإلكترونات).
ولا شك في أن الشكل الكروي لبناء الذَّرة هو الأنظم تماثلاً، حيث هناك منطقة مركزية يحيط بها مدارات/أغلفة ذرِّية رئيسة، ومحتوياتها من الأغلفة الفرعية تنتشر في كافة الاتجاهات حول مركز الذَّرة؛ وهذه الأغلفة، ما هي إلا عبارة عن مواضع/مواقع فضائية ذات طاقات وضعية محددة، وأن عددها (عدد الأغلفة الرئيسة) لا يتعدى العدد سبعة في أكبر ذرة عنصرية.
٣ – ٢: البناء الهيكلي التركيبي للكون
بالنسبة لبناء الكون (بناء السماوات) فقد أشارة الآيات القرآنية إلى أن بناء السماوات بناءٌ محكمٌ في كافة الاتجاهات، تتعادل فيه قوى الطرد، والجذب “اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد: ٢)”، بما يؤدي إلى ظهور مجالات كونية محددة، تتحرك ضمن أطرها مجرات الكواكب بمحتوياتها من الأجرام والكواكب السماوية حول مركز الكون، ولا شك في أن هذا البناء الكوني الضخم يشبه إلى حد كبير البناء المحكم للذَّرة العنصرية (أصغر وحدة بنائية يمكن التَّعرف عليها لمحتويات الكون المادية)، أي أنه بناءٌ كروي الشكل؛ وبالتالي، فإن المناطق التي تتعادل فيها قوى الطرد المركزي، والجذب بين محتويات الأفلاك الفضائية بمكوناتها من الأبراج التي توجد ضمن أطرها المجرات والكواكب السماوية، حول المنطقة المركزية في البناء الكوني (مركز الكون)، التي جرى التعبير عنها بالسماوات، لا شك في أنها تُمَثِّل مجالات تحرك/سباحة الأجرام والكواكب السماوية: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (البروج: ١)؛ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر: ١٦)؛ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا (الفرقان: ٦١)”. وبالتالي، فإن الأفلاك ومكوناتها من الأبراج (البروج) السماوية في البناء الهيكلي للكون، تماثل المدارات الرئيسة، ومكوناتها من المدارات الفرعية في البناء الهيكلي للذَّرة العنصرية؛ وأن ما يفصل بين تلك المناطق السماوية (الأُطُر أو الأغلفة الكونية؛ السماوات) عن بعضها البعض حول مركز الكون، التي جرى التعبير عنها في الآيات القرآنية بالفضاءات أو المجالات البينية بين السماوات في البناء الهيكلي الكوني، تماثل المدارات الرئيسة ومكوناتها من المدارات الفرعية في بناء الذرة العنصرية.
و اللافت للانتباه، ويستدعي من المرء التَّأمل والتَّفَكر ملياً في توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها، أن أقصى عدد للأغلفة لأكبر ذرَّة عنصرية، هو العدد سبعة (7) ؛ وأن أقصى عدد لما يُعرف بالفضاءات (المجالات الفضائية البينية) التي يُعَبَّر عنها بالسماوات في البناء الكلي للكو، قد جاء ذكره في القرآن الكريم، هو كذلك العدد سبعة (سبع سماوات)، كما تشير إلى ذلك الآيات القرآنية التالية:-
وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن الآيات الكريمة: (المُلك: ٣)؛ و (نوح: ١٥)؛ و (النبأ: ١٢) تشير إلى إحكام بناء السماوات، التي هي بمثابة مجالات انتشار مناطق تَعادُل قوى الجذب (قوى الجاذبية)، وقوى الطرد (قوى الطرد المركزي) حول مركز البناء الهيكلي التركيبي للكون، وهي موجودة بالكيفية التي تجعلها طباقاً، أي أن كُلَّ سماء منها تحيط بالَّتي قبلها ( أو أسفل منها)؛ وتفصلها عن بعضها بعضًا، كما تفصل بين السماء والأرض، فضاءات بَيْنِيَّة، ويؤكد ذلك الآيات القرآنية:-
لا شك في أن السماوات، وكذلك الفضاءات البينية، متفاوتة الاتساع أو الأحجام، كما تشير إلى ذلك الآيات القرآنية: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات: ٤٧)”، وتحوي ضمن أطرها الأفلاك، وبروجها التي تسبح فيها مجرات الكواكب والنجوم السيارة: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (البروج: ١)؛ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (الحجر: ١٦)؛ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا (الفرقان: ٦١)”.
وتجدر الإشارة إلى أن الإلكترونات في الأغلفة الذرية دائمة الحركة (ضمن إطار أغلفة رئيسة، وأخرى فرعية محددة المكان الافتراضي)، نتيجة تعادل قوة الطرد المركزي لحركة دورانها (بصورة أكثر دقة: حركة سباحتها) حول نواة الذَّرة العنصرية، وقوة الجذب الكهرومغناطيسي بينها (كشحنات سالبة) وبين نواة الذَّرة مركز الشحنات الموجبة. ولا شك في أن نَفسَ الشيء (الحركة المستمرة) يحدث لمجرات الكواكب ومكوناتها في البناء الكوني، كما يُستَشف ذلك من توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها: “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (الأنبياء: ٣٣)؛ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: ٤٠)”.
وخلاصة التأملات بخصوص مقارنة البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية، بالبناء الهيكلي التركيبي للكون، يتضح ما يلي:-
أ – لقد ثبت علمياً، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن العدد الأقصى للأغلفة الذرية الرئيسة حول نواة أكبر ذَّرة عنصرية هو سبعة أغلفة طباقاً، تتموضع على أبعاد محددة بانتظام من مركز الذَّرة، حيت تتعادل قوة الطرد المركزي، بقوة الجذب الكهرومغناطيسي، وتفصلها عن بعضها البعض فضاءات بينية تتفاوت في اتساعها (من حيث أحجامها)، وهي الأماكن التي توجد ضمن أطرها الأغلفة الفرعية التي تتحرك (تسبح) ضمنها الإلكترونات حول نواة الذَّرة.
ب – لقد أكدت الآيات القرآنية الكريمة أن العدد الأقصى للسماوات في الكون هو سبع سماوات طباقاً؛ تتموضع على أبعاد محددة بانتظام من مركزه (مركز الكون)، حيت تتعادل قوة الطرد المركزي وقوة الجذب (قوة الجاذبية) بين الأجرام السماوية، ما يؤدي إلى ظهور الأفلاك ومحتوياتها من البروج السماوية، التي تفصلها عن بعضها البعض فضاءات بينية تتفاوت في اتساعها (من حيث أحجامها)، التي تتحرك (تسبح) ضمن أطرها المجرات والكواكب السماوية؛ “اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد: ٢)”؛
٣ – ٣: نأتي الآن لاستشراف دلالات بعض الظواهر التي تحدث لحركة الإلكترونات في الأغلفة الرئيسة ومكوناتها من الأغلفة الفرعية للذَّرة العنصرية، وعلاقة ذلك بما يحدث من ظواهر شبيهةٍ بها لحركة الكواكب والنجوم في الأفلاك ومكوناتها من الأبراج السماوية.
أ – ماذا يحدث للإلكترونات في الأغلفة الذَّرية عند إثارتها؟؟
لقد ثبت بطرق علمية مؤكدة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الشحنات السالبة للذِّرة توجد في أماكن محددة لها بدقة، ضمن الأغلفة الذَّرية (الرئيسة ومكوناتها من الأغلفة الفرعية)، وذلك وفق كمية طاقتها الوضعية، وهي في حالة الاستقرار؛ وعندما تُزَوَّد الذَّرة العنصرية بكمية من الطاقة فإن ذلك يُحدث إثارة في حركة الإلكترونات في الأغلفة الذرية نتيجة اكتسابها كمية إضافية من الطاقة، حيث يؤدي ذلك إلى تسارع حركة تلك المكونات طرديا مع تَزايد كمية الطاقة التي تُزوَّد بها الذَّرة، الأمر الذي يُكْسِب الإلكترونات طاقة حركية إضافية، ما يؤدي إلى سهولة انفلات أحد الإلكترونات (أو أكثر) خارج نطاق مداره الابتدائي الذي يحويه، والانتقال إلى موقع طاقة آخر (غلاف أو مدار آخر)، سواءً أكان ذلك الموقع يمثل مستوى طاقة أعلى، (عندما تُزَوَّد الذَّرة بكمية من الطاقة)، أو أقل من الطاقة التي كانت عليها الإلكترونات قبل الانفلات من مواقعها الأولي/السابقة (عندما تفقد الذَّرة جزءأً من كمية الطاقة التي كانت عليها قبل الإثارة)، حيث تعود الإلكترونات إلى المستوى الذي كانت عليه؛ وتعرف هذه العملية لحركة الإلكترونات بالانتقال الكمي (بمعنى أن الإلكترونات تقفز من مستوى الطاقة الأقل إلى مستوى الطاقة الأكثر، وبالعكس فجأة) من مداراتها الأصلية التي كانت عليها قبل عملية الإثارة (تزويد الذَّرة بالطاقة)، إلى أغلفة ومدارات ذات مستوى طاقة وضعية أعلا من تلك التي كانت عليها، وعندما يزول المؤثر الخارجي الذي أكسب الذَّرة زيادة في كمية طاقة وضع إلكتروناتها، (بأن تفقد الذَّرة كمية الطاقة التي اكتسبتها)، تعود الإلكترونات بطريقة فجائية أيضاً (بطريقة القفز) إلى ما كانت عليه قبل إثارتها. هذه العملية يصاحبها امتصاص الذَّرة للطاقة لكي تُثار، وفقد ما اكتسبته عند عودتها إلى الحالة التي كانت عليها قبل الإثارة، وكل ذلك يحدث بطريقة فجائيه، وتكون نتيجة تلك العملية ظهور ومضات ضوئية (طيف أشعة، تعرف بالأشعة الفوسفورية، أو الفلوروسية: Phosphorescence, fluorescence) يمكن تسجيلها بأجهزة تسجيل الأشعة، وبالتالي رؤية تلك الحركة رؤي يقينية. بهذه المعلومات المؤكدة علمياً بما لا يدع مجالاً للشك، هل بإمكان المرء إسقاط ما يحدث في البناء الهيكلي التركيبي للذِّرة العنصرية على ما يحدث في البناء الهيكلي التركيبي للكون؛ استرشاداً بالحديث النبوي الشريف: كلٌّ مُيَسًّر لما خُلِق له؛ ومقولة الأعرابي: البعرة تدل على البعير؛ والأثَر يدل على المسير؟؟!!
الجواب على هذا السؤال، من وجة نظري، هو: بنعم: باستطاعة المرء إسقاط ما استطاع استشرافه من المعلومات المؤكدة علمياً وموضوعياً، بما يتعلق بأصغر وحدة بناء مادية في الكون “الذَّرة العنصرية”، على البناء الكلي لهذا الكون العظيم.
ب – ماذا يحدث لبعض النجوم والكواكب في الأفلاك السماوية؟؟
كثيراً ما يشاهد المرء أثناء تأمله في ما يتلألأ في السماء فوق رأسه أثناء الليل من نجوم ساطعة، وبخاصة في الليالي التي تكون فيها السماء صافية وخالية من الغيوم، شهباً تَخِرُّ من مكان لآخر، وكأنها قذائف مضيئة تنطلق من مستوى مرتفع إلى مستوى أقل ارتفاعاً.
لقد ورد ذكر تلك الشُّهُب في القرآن العظيم في الآيتين الكريمتين من سورة الجن: “وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا؛ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (الجن: ٨ ، ٩)”؛ فبماذا توجه هاتان الآيتان، وما الذي ترشدنا إليه ؟؟ لقد جاء في تفسير هاتين الآيتين ما يلي: فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً، وهذا إخبار عن الجن، أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم؛ ولما روي عن ابن عباس قال: بينما النبي – صلَّ الله عليه وسلم – جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم؛ فقال: “ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية”؟ قالوا: كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم. فقال النبي، صلَّ الله عليه وسلم: “إنها لا تُرمى لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا، سبحانه وتعالى، إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش، ثم سبح أهل كل سماء، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء؛ ويستخبر أهل السماء حملة العرش؛ ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه، فتتخطف الجن، فيرمون فما جاءوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه”. فكيف يُفهم هذا النَّص، في ضوء ما يطرأ على انتقال إلكترونات الذَّرة في الأغلفة والمدارات الذَّرية حال إثارتها، وما يشاهده المرء من أن بعض النجوم في كبد السماء تَخِرُّ من موقع لآخر مطلقة كمية من الطاقة التي تظهر على هيئة شعاع ضوئي؟
تحدثنا أعلاه عما يحدث للإلكترونات في أغلفة الذَّرة عند إثارتها، وإكسابها كمية من الطاقة تجعلها في الحالة المثارة، ومن ثم فقدانها لكمية الطاقة التي زودت بها، والعودة إلى الحالة التي كانت عليها قبل إثارتها.
وذكرنا أن السماء إجمالاً، ما هي إلا مواقع للكواكب والنجوم السيارة، كل في فلكه وأبراجه، وفق الطاقة الوضعية التي تعادل عندها طاقتي الطرد المركزي، نتيجة سباحتها بسرعة ضمن إطار فضاء محدد، وطاقة الجذب التي تمارسها الأجرام السماوية عليها. وأستشرفنا من توجيهات الآيات القرآنية وإرشاداتها أن البناء الهيكلي التركيبي للكون بأكمله، يشبه البناء الهيكلي التركيبي للذَّرة العنصرية (أصغر وحدة بناء مادية في الكون)؛ في هذا السياق يجدر بالمرء استشراف ما توجه به وترشد إليه الآيات القرآنية
“وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (المُلك: ٥)”. لا شك في أن المصابيح المشار إليها في هذه الآية الكريمة ما هي إلاّ نجوم متلألئة في كبد السماء، كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة: “إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (الصَّافات: ٦)”، أي أن تلك النجوم ما هي إلا أجسام مادية في حالة طاقة وضع مرتفعة جداً؛ ويؤكد ذلك الآية الكريمة: “وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (الجن: ٨)”؛ فالحرس الشديد لا يكون إلا أجسام ذات طاقة مرتفعة، وهي في حالة استعداد، ومتحفزة للانقضاض؛ وبالتالي فإن تلك الأجسام المادية، ذات الطاقة الوضعية المرتفعة، مهيئة للانتقال من وضعها الحالي إلى وضع جديد بمحتوى طاقة وضع أقل، ما يؤدي إلى انطلاق كمية الطاقة الفائضة على هيئة ومضات ضوئية (أطياف ضوئية، أو شُهُب ضوئية)، بإمكان المرء مشاهدتها. وأن هذه العملية (انتقال الأجسام من وضع طاقة مرتفع إلى وضع طاقة أقل) موكَلٌ لها مهمة أوضحتها الآية الكريمة: “وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (الجن: ٩)”، أي أن مقاعد السَّمع المشار إليها في هذه الآية هي عبارة عن مواضع مكانية ذات طاقة وضع أقل من تلك التي كانت عليها الأجسام التي عبرت عنها الآية (الجن: ٨). وبالتالي، فإن الآيتين الكريمتين (الجن: ٨ و ٩) تصفان بدقة ما يطرأ على حركة تنقل النجوم في السماء، (وهي بلا شك عبارة عن أحداث كونية سماوية)، تكون مصحوبة بإصدار ذبذبات ضوئية وأخرى صوتية، كما تؤكد ذلك الآيات القرآنية: “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ؛ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ؛ النَّجْمُ الثَّاقِبُ (الطَّارِق:١ – ٣)”. فما علاقة ذلك، بما يحدث من ظواهر شبيهة في بناء الذَّرة العنصرية؟؟ لا شك في أن ما يشاهده المرء من وميض ضوئي يمتد على مسافات في كبد السماء، هو بمثابة إشعاع (وميض) ضوئي نتيجة انتقال نجم (أو كوكب) من مكان ذي طاقة وضعية معينة إلى مكان آخر في الفضاء السمائي ذي طاقة وضعية (أكثر، أو أقل) من طاقة وضعه الأصلية؛ ما يعني أن هذه الحركة الانتقالية للنجوم والكواكب تكون مرافقة لاكتساب النجم (أو الكوكب) كمية من الطاقة أدت إلى انتقاله بصورة فجائية إلى مستوى طاقة أعلا، أو فقدانه لكمية من الطاقة أدت إلى انتقاله إلى مستوى طاقة أقل، من مستوى طاقته الأصلية؛ وأن هذه الحركة الانتقالية للنجم أو للكوكب في الفضاء السماوي رؤيتها بالعين المجردة في حالة النجم أو الكوكب؛ وهي تشبه تماماً حركة انتقال الإلكترونات في الأغلفة والمدارات الذَّرية للذرة العنصرية التي تكون عادة مصحوبة بظهور طيف ضوئي يمكن رؤيته بواسطة أجهزة تصوير طيف الأشعة الضوئية، وتسجيلها. وباعتبار أن الذَّرَة العنصرية هي أصغر وحدة بناء مادية في الكون، يمكن تشبيه بنائها الهيكلي التركيبي بالبناء الهيكلي التركيبي للكون برمته، وبذلك تكون معرفتنا العلمية الموضوعية المؤكدة (المعرفة اليقينية عن طريق الرؤية) لما يطرأ في كيان الذَّرة العنصرية من أحداث، وسيلة معرفية يقينية يمكننا إسقاطها على ما يطرأ في بناء الكون بأكمله من أحداث شبيهة، استرشاداً بحقيقة التشابه، ومبدأ “الهندسة العكسية” لفهم ما تشير إليه فقرة الآية الكريمة: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ……. (فُصِّلَت: ٥٣)” من توجيهات وإرشادات.
الخلاصة:-
باعتبار أن الذَّرَة العنصرية هي أصغر وحدة بناء مادية في الكون بمكوناته المختلفة والمتعددة (بناء الكون برمته)، فإن معرفتنا عن طريق الرؤية اليقينية لما يطرأ على بناء الذَّرة عند إثارتها من أحداث، وبخاصة ما يتعلق بالأحداث التي تطرأ على الشحنات الكهربية السالبة (الإلكترونات) من إثارة في الأغلفة الرئيسة، ومداراتها الفرعية بالنسبة للبناء الهيكلي التركيبي للذَّرة، تمكننا من تطبيق حقيقة التشابه، ومبدأ الهندسة العكسية لفهم (أو لنقل لرؤية) ما يطرأ من أحداث شبيهة في البناء الهيكلي التركيبي للكون (ما يحدث في الأفلاك السماوية ومكوناتها من الأبراج). وخلاصة القول في هذا الأمر ما يلي:-
١- بناء الذَّرة: نواة مركزية، تمثل أحد طرفي التجاذب، يحيط بها سبعة أغلفة رئيسة، لمواقع الشحنات السالبة، وهي عبارة عن مناطق تعادل قوى الجذب والطرد؛ تفصلها عن بعضها بعضًا فراغات بينية.
٢- بناء الكون: منطقة مركزية، تمثل أحد طرفي التجاذب، يحيط بها سبع سماوات، وهي عبارة عن مناطق تعادل قوى الجذب والطرد، لمواقع المجرات الكوكبية ومحتوياتها من الكواكب والنجوم، تفصلها عن بعضها بعضًا فراغات بينية.
٣- الطيف الضوئي الذي يظهر عن انتقال الإلكترونات فجأة من غلاف ذي طاقة وضع مرتفعة إلى غلاف ذي طاقة وضع منخفضة، يماثله الضوء اللامع الذي يشاهده المرء في كبد السماء نتيجة انتقال النجوم فجأة من موقع ذي طاقة وضع مرتفعة إلى موقع ذي طاقة وضع أقل.
٤- القوى التي تتحكم في حركة دوران أو سباحة الإلكترونات حول نواة الذّرة، والمحافظة عليها ضمن نطاقات مكانية محددة، تعرف بالأغلفة الإلكترونية ومداراتها، لا يتعدى تعدادها سبعة أغلفة رئيسة، تمثل مناطق تعادل قوتي الجذب، والطرد للإلكترونات؛ تلك القوى بالإمكان تشبيهها بالأعمدة (أو الأربطة) التي تحافظ على بقاء الإلكترونات في حركة دائمة حول مركز الذَّرة، دون انفلات إلا عندما تتعرض الذرة لتاثير كمية عالية من الطاقة تؤدي إلى انفجار كيانها، وهو ما يحدث في حالة التفجيرات الذرية.
٥- الفلك بالنسبة للبناء الكوني (يقابله المدار الذري الرئيس بالنسبة لبناء الذَّرة) هو عبارة عن موضع فضائي ذو طاقة وضعية محددة، يتألف من عدد معين من الأبراج (يقابلها المدارات الذَّرية الفرعية)، التي يمثل كلٌّ منها مستوى للطاقة الوضعية للكواكب السيارة حول مركز الكون (يقابلها مستويات الطاقة الوضعية للإلكترونات حول مركز/ نواة الذَّرة)؛ الذَّرة يمكن أن تنفجر، حيث يختفي كيانها المادي، وتتحول إلى طاقة، إذا ما تعرضت لتأثير قوة مرتفعة تتغلب على قوة تماسكها المادي؛ فالتفجيرات الذَّرية التي تؤدي إلى انهيار البناء التركيبي المادي للذَّرة العنصرية تحدث عندما تفقد الذَّرة حالة الاتزان بين أجزاء مكوناتها، وكذلك الحال ينفجر البناء الحالي للكون عندما تختفي حالة الاتزان بين مكوناته، كما أشارت إلى ذلك الآيات القرآنية: “إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ؛ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (الانفطار: ١ – ٢)؛ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (الرحمن: ٣٧)”.