أخبار

أمسية ثلاثية في “بيت الشعر” وتكريم المشاركين في “ورشة فن الشعر والعروض”

محمد عبدالله البريكي يتوسط الشعراء المشاركين و مقدمهم بعد تكريمهم من اليمين عصام عبدالسلام ومحمد بوثران و سيبدي محمد المهدي و نجاة الظاهري

 

                    

                   

جانب من تكريم المشاركين في “ورشة فن الشعر والعروض”

 

الشارقة    –    “البعد المفتوح”:

أحيا الشعراء سيدي محمد محمد المهدي من موريتانيا، ونجاة الظاهري من الإمارات، ومحمد بوثران من الجزائر أمسية شعرية مساء الثلاثاء 11 يوليو  2023 نظمها “بيت الشعر” في دائرة الثقافة في الشارقة ضمن فعاليات “منتدى الثلاثاء”  بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر، وقدم للأمسية الإعلامي عصام عبدالسلام مسلطًًا الضوء على فعاليات “بيت الشعر” في دائرة الثقافة في الشارقة بأمسياتها الشعرية المميزة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يوجه دائماً بإقامة الفعاليات التي تضيف للواقع الثقافي، ويمتد التأثير الجمالي للحراك الثقافي في المتلقي، ويسهم في الارتقاء بالذائقة الأدبية.

 كانت بداية الأمسية بالشاعر سيدي محمد محمد المهدي الذي ألقى قصائد حازت إعجاب الحضور ومنها قصيدته ”درويش في حضرة الشك ” التي مزج فيها الشاعر بين اللغة والموسيقى :

يصوغُ نجواهُ في محراب عزلتهِ
فيغمرَ الدمعُ مثل الحقلِ لحيتَهُ

أكانَ كالفَجْرِ فِي رَيْعانِ كِذْبَتِهِ؟
فَمَنْ يُصَدِّقُ بَعْدَ اليَوْمِ فِرْيَتَهُ ؟

كَباخِعٍ نَفْسَهُ..-يَعْدو – عَلى أَثَرِي
لِيَفْضَحَ الآنَ.. ما قَدْ كَانَ بَيَّتَهُ

وفي قصيدته “طائرةٌ ورقية من المتنبي إلى لوركا” يقول::

أغفو على فرُشٍ تمتدُّ في لُغتي
كغفوة الظَّبْيِ بينَ الماءِ والشجَرِ

و(يسهرُ الخلق) في شُبَّاك حيرتهِ
حتى ينامَ بلا نجْوى من السهَر

وبأسلوب اتسم بالرقة والطرافة أنشدت الشاعرة نجاة الظاهري عددًا من قصائدها التي تفاعل معها الحضور على نحو ملموس. تقول:  لا يطرقون إذا مرّوا على بابي

‏لا يتركون وروداً عند أعتابي

‏لا يزرعون على أوتار نافذتي

‏لحناً يشابه صبحاً دون غُيّابِ

‏لا يسمعون إذا ناديتُ: يا طرقاً

‏أحببتُ سيري عليها.. يا أصيحابي

‏ويا افتقاداً بصدري، كلّما نضجت

‏لليلِ أسئلةٌ.. يبكي كمحرابي

‏لا ينظرون لتلويحي ورايته

‏ولا يبالون إذ تشتدّ أوصابي

‏وإن أتيتُ.. شتاءً صار مجلسهم

‏ويحَ القساةِ بلا ذنبٍ وأسبابِ

‏لا يحرثون معي للحلمِ تربته

‏أو يكسرون معي كأساً بأنخابي

‏هم نخلتي.. وأنا للنخل راعيةٌ

‏ويشهدُ “الصّرمُ” ما فعلي بأحبابي

‏هم نجمتي، بوصلاتي، البحر، هدأتُه

‏ولا موانئَ مذ غابوا لأغرابي

‏هم نار قلبي،  وطور الروح، قصتهم

‏ماءٌ ينبّتُ عند الجدبِ أعشابي

‏أحببتهم كلّهم.. لكنهم أخذوا

‏حبي على مضضٍ، من دون إعجابِ

‏ولم يبالوا بما كنّ الفؤادُ لهم

‏ولا بوعد جناني، أو بأعنابي

‏مالوا عن السرب.. ويحي كيف أُرجعُ من

‏لا يحملون سوى رفضٍ لأسرابي

‏الجارحون.. ولم أجرح سوى أملي

‏فيهم، وشقٍّ أراهم منه في بابي

‏لو يطرقون سألقاهم بلا عتَبٍ

‏لو….

‏إنما لن يدوسوا عشبَ أعتابي

وفي قصيدتها ” ذي الدارُ أجملُ” بلغتها الشعرية السلسة ، وما تنطوي عليه من دلالة ونظرة في الحياة تقول الشاعرة :

وعندي من الأشواق ما بتّ تجهلُ
وعندي من الآمالِ ما صرتَ تقتلُ

وعندي من العشق الذي صرتَ جاهلاً
بنيرانهِ، ما عشتُ أذكي وأغزلُ

لِطَيفكَ في ليلي وصبحي زيارةٌ
تدثّرني ضمّاتُهُ وتزمّلُ

وأنتَ إذا ما حلّ طيفي صددتَهُ
فعاد كئيباً إذ رأى البابَ يُقفلُ

وللدمعِ جمرٌ، والسؤال رمادُهُ
وإرهاقُ هذا السعي: قبرٌ ومنجلُ

متى أيها القاسي ترقُّ لحالنا؟
تعلّلنا بالوصل يوماً وتعدلُ

وتدني لنا أرضاً إذا قيل ما اسمُها
يُقالُ: هي الأرواحُ، تُحيي، وتُكملُ

لها سبعُ نخلاتٍ، تمدُّ قطافها
تمدُّ ظلالاً للجميعِ، وتُجزلُ

وبحرٌ كأنّ الدرًّ موجٌ لسطحهِ
بغوّاصه قبلَ النزولِ تَكفَّلُ

إذا ما أشارت للنجومِ أتتْ لها
عناقاً بهِ صدرُ النجومِ يُعلّلُ

هي الحصنُ يعلو، لا يُبدّلُ أمنهُ
وإن كلُّ ما في الكونِ ظلَّ يُبدّلُ

بها كلُّ مجدٍ حطَّ أنفَسَ رحْلِهِ
وقال: “هنا”..
كالوحي ظلَّ يُنزَّلُ

ولم ينقطع عنها، وكان رفيقَها
ملازمَها في ما مضى أو سيحصلُ

هي الحبُّ.. كلُّ الحبّ من بعض مائها
وتربتُها للعاشقينَ تَبَتُّلُ

إذا مرّها الليلُ استحالَ بنورها
غيوماً من الإصباحِ تحنو وتهطلُ

وإن مرّها من أرمَدَ الحزنُ قلبَهُ
تهدهده باسم السكون وتغسلُ

لها من سنين العمرِ خمسونَ زهرةً
بثوبِ الندى والنضرةِ البكرِ ترفلُ
،
بفضل الذي بالحلم آمن قلبُهُ
وأنشأها مثل الذي كان يأملُ

بدايتُها.. والبدءُ إن كان “زايدٌ”
فعزّةُ تالي خطوهِ لا تُعطّلُ

رعاها وشعباً وافياً، نهجُ همّهِ
لها كلَّ يومٍ يُخلصُ الحبَّ، يعملُ

فصِلْني بها، فالعمر دون هوائها
مشانقُ، والأيامُ في البُعدِ تُذبلُ

مشوقٌ لها قلبي، كما اشتاق عابدٌ
لمحرابهِ، إن شاغلٌ عنهُ يشغلُ

فصِلْني، فإني بالجمال شغوفةٌ
ومن كلّ أرضٍ قيل: ذي الدارُ أجملُ

ودعني أغنيها، غناءً مبجّلاً
فحقُّ الذي نهواهُ حرفٌ يُبجّلُ

فصِلْني، وفارقْ، ليس بعد جنانِها
حبيباً يُريدُ القلبُ هذا، ويسألُ

وتصوغ فكرها بعبارة شعرية تكسوها الذاتية علنة تحديها “الإنهاء”:

اعتدتُ أن آوي إلى مينائي

إن باتَ كلٌّ رافضاً إيوائي

 وحدي.. أشيدُ لجنتي أركانها

وأخيطها من بهجةِ الأشياءِ

لي ما أشاءُ من المحبة.. لي دمي

يجري به اسمي.. مُكثراً خُيلائي

 أنا لا أشابههم.. ولستُ بسيطةً

شمسٌ أنا.. معمورةٌ بضيائي

 مهما أرادوا طمس ضوئي، لن يروا

إلا احتراق ستائرِ الإطفاءِ

 كم حاولوا.. قطعوا النخيلَ.. وبعثروا

صرمي.. وألقوا صخرهم في مائي

 واجتزتُ مرحلةَ الحروبِ.. بغيرما

أثرٍ على ذاتي.. على أصدائي

مهووسةٌ هذي الحياةُ بضحكتي

وتُعبّدُ الطرقاتِ لي.. وسمائي

 ما ضرني أحدٌ يسوّد ظنّهُ

نحوي.. أنا فوق الظنون اللائي

 آوي إليّ.. إلى ظلالي.. وحدَها

خبَرتْ خُطى سفري.. وصبر عطائي

 وأعيد ترتيبي بدون صعوبةٍ

وأمدّ صبحي في مدى الظلماءِ

 لا نايَ عندي.. رغم حزنٍ غائرٍ

في الروح.. عندي رقصةُ الإحياءِ

 وأصيلةٌ فيّ اللطافةُ، لم تكن

عرضاً لتربيةٍ ولا أهواءِ

 والحبُّ دينٌ أولٌ بعقيدتي

والوردُ والأنهارُ من أبنائي

 صدّيقةٌ لي، كلُّ أشياء الوجود

الرائعاتُ.. بغيرما استثناءِ

 أنا من أجيبُ.. إذا طغت أسماعهم

وتجاهلوا رغم الهدوء.. ندائي

أنا من ألوّنُ خطوتي بالعشبِ

حينَ تسيلُ تحتي صعقةُ الرمضاءِ

أنا من أطيرُ.. أنا أطير.. ووحدها

روحي خبيرةُ منهجِ الإسراءِ

آوي إليّ.. فكلّ شيءٍ آخرٍ

سيزول بعد تشتّت الإغراءِ

الوهمُ أصلُ وجودهِ.. أما أنا

فحقيقةٌ أقوى من الإنهاءِ

وكان لقصائد الشاعر محمد بوثران وقع جميل في نفوس الحضور الذين عاشوا مع الشاعر أحاسيسه ورؤاه الشعرية. يقول في “انتظارُ الأبد”.. محطّةٌ لا تمرُّ منها القطارات:

القطاراتُ همّهُنّ الوصولُ

والجميلاتُ دهشةٌ،

 أو ذهولُ

جالسا في المحطّة الآن

 وحدي

غارقا في دمي كأنّي قتيلُ.

قيل لي؛ إنُّه يجيءُ سريعا

وهْيَ أيضا تجيءُ،

 لكنْ تطولُ

القطار الذي انتظرتُ تولّى

منذُ عام..

ووجهُها مُستحيلُ

في الغياب امْتلاْتُ منها يقينا

لو أراها..

 أقولُ: صبري قليلُ

وفي قصيدة عاطفية يسحب متلقيه إلى أجواء نظراته الفلسفية فيقول:

“أسئلةٌ لا تبحث عن أجوبة”

يا آخرَ امرأةٍ أواعِدُها

كلّ النساء سواكِ تجربةُ

عشرونَ حُبَّا أو يزيدُ ولمْ

أبلغْ سماكِ، فأنتِ عاليةُ

كالغيمِ مرَّ العمرُ مضطربا

شفةٌ تذوبُ بلمسِها شفةُ

ويدٌ تعانقُ غير آبهةٍ

جسدا تدوخُ بنطقِهِ اللُغةُ

خلّي قميصكِ نصفَ منغلقٍ

بحرًا تطلُّ عليهِ نافذةُ

وتقدّمي كالمدِّ هادئةً

بيني وبينَكِ ثَمَّ أسئلةُ

هل تقبيلنَ؟..

متى، وكيفَ، وكمْ؟

يا حِبُّ..

ليس لديَّ أجوبةُ

وفي “وصايا النساءِ للنّساء” يقدم رؤيته للعلاقة الوثيقة بين المرأة والشعر كما يقدم “أغنيّةٍ ردّدتها السنابلُ للحاصدينْ”:

قالتْ امرأة للنساء: القصائدُ أصواتنا تعبرُ النهرَ منذُ الشتاء البعيدْ،

والقصائدُ صورتنا الأبديةْ.

قلتُ لي: كلُّ بيت من الشعر يقتُل،

أقصدَ شِعر المعلقةِ الجاهليهْ.

قبل عامٍ ونصف،

عرفتُ نساءً ثلاثْ..

طفلةً جاوزتْ عتْبة الأربعينْ،

نَخلةً تصعَدُ الدرب -درب الحياة- سريعا

نسَيتُ تفاصيلها منذُ خمسين عامًا.

وسيّدةً لا تحبُّ الرجالْ.

ولكنّني مُذْ عرفتُكِ -لا أذكرُ الآن ما اسمكِ-

أذكُر آخر أغنيّةٍ ردّدتها السنابلُ للحاصدينْ.

(إنّها لن تعودْ

فابتسمْ للوجودْ)

ويرتفع بالعلاقة العاطفية مع المرأة عن السطحية في “صَدمةُ العاشقِ الوطنيّ” :

قبلَ اللقاءِ بأجمل امرأةٍ

صلّيتُ حتّى ضاقَ بي المصْلى

كانتْ أرَقَّ من النسيمِ فلو

هزّت بجدعِ الغيمِ لابتلّا

عينانِ تتّسعانِ إن ضحكتْ

والحاجبانِ كأنّ العيدَ قد هلّا

ويدان تبتكرانِ سِحرهما

كالسيف من غمدٍ لهُ استُلَّا

لكنّني عندَ اللقاءِ بها

أبصرْتُ تاريخًا من القتلى

و في ختام الأمسية كرّم محمد عبدالله البريكي شعراء الأمسية ومقدمهم، كما كرّم المشاركين في “ورشة فن الشعر والعروض” التي أقامها بيت الشعر من 5 – 20 يونيو 2023، والتقط معهم صورة تذكارية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى