لَخَّصَ لنا المُترجم الكبير الأستاذ صالح علماني رحمه الله مصاعب الترجمة في نقاط ثلاث، اختارُ منها الأهم، حسب ظني، وهي التي تتعلق بتباين اللغات وعدم توافقها التام في المعنى والمبنى، فأساليب التعبير وتركيب الجملة واختلاف دلالات المفردات من لغة إلى أخرى، وعدم تطابقها إلا في حالات نادرة، قد تصيب المُترجم والقارئ النبه بالذهول، إذا ما دقق في دلالة الكلمتين اللَّتين كان في بدء البحث يظنُّ أنَّ دلالتهما واحدة.
وقَدْ قال عُلماء اللُّغة إن المعاني والمقاصد هي سيِّدة الألفاظ، والألفاظ خَدَمٌ للمعاني، وهذا الفهم يقودنا لدراسة محلِّ الخطاب للنَّصِ الذي وَرَدَتْ فيه الكلمة، وإسقاط الكلمة في النص على واقع البيئة التي يُترجم إليها. عدا ذلك لا يستطيع المُترجم إظهار الفارق الخفي لدلالة الكلمة، فتصبح الترجمة آلية تُشبه إلى حدٍ بعيد ترجمة “غوغل” للنصوص الأدبية
أمس، وأنا منهمك في ترجمة الفصل الخامس من رواية “إرث إستر”، استغرقتني كلمة “عاد”، أو “رجع”، كما جاءت في النص المجري، وكذلك في النسخة المُترجمة لنفس النص للإنجليزية والتي أضعها هنا في السياق بين قوسين:
” The day Lajos (returned) to us happened to fall on a Sunday at the end of September. It was a wonderfully mild day, its colors glassy and clear. Gossamer was drifting between the trees, and the air was sparklingly clear without a trace of mist, a thin transparent solution coating everything with the finest enamel, as if all visible objects, including the sky itself, had been touched in with the most delicate of brushes.”
قد يَمُر القارئ الكريم على هذه الكلمة مَرَّ الكرام، ولا ينتبه لما يأتي في ما بعد في السياق، فـ “لايوش”، ذلك الشخص المُحتال، والغريب الأطوار، لم “يرجع” حباً بــ “إستر”، وإنما لمناقشة، وتسوية قضية أخرى. البيت الكبير الذي تسكن فيه إستر مع نونو، والذي سيطلب منها أن تتنازل له عنه. وهذا سيتضح من سياق النص في الفصل الخامس..
من هنا جاء استغراقي في التفكير بكلمة “رجع”، أو “عاد” واستبدالها بكلمة “اقْبَلَ”، فجاءت ترجمتي كالتالي:
“اليوم الذي أقْبَلَ فيه علينا لايوش صادف الأحد الأخير من أيلول. كان يوماً دافئاً، وبلوري اللون؛ سَبَحَ فيه الندى بين الأشجار، وتألق الهواء بلا رطوبة، صافياً مثل محلول شفاف، كسا الأشياء بميناه النقية، كما لو أن كل ما هو مرئي في الأفق والسماء، قد رُسِمَ بفرشاة أصباغ مائية.”
ويعود سبب استبدالي لها إلى إنها جاءت في القرآن الكريم على أن الإقبال يحدث عندما يراد به مناقشة قضية معينة أو للاستفسار عن موضوع معين وتوضيح ملابساته. فالناس تُقبل على بعضها للحديث في أمر يشتركون به. قال تعالى في سورة يوسف الآية 71: “قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ”، فهنا حصل خطأ واجتمعوا لمناقشته وتبيانه.. وكذلك جاءت في سورة القلم الآية 30: “فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ”، وأيضا في سورة الصافات في الآية 27: “وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ”.
من هنا يمكن للقارئ الكريم أن يجيب على السؤال: ” هل الترجمة من الأعمال الشاقة؟” وإذا هي كذلك فلمَ تبخس دور النشر حق المُترجم حتى في كتابة اسمه على غلاف الكتاب المُترجم بأحرف صغيرة .
تحياتي واحترامي استاذ عامر .مقال يوضح مكانة ودقة علم الترجمة وامانتها ويوضح جليا مدى معاناة المترجمين الجيدين وبحثهم عن الافضل وهذا جهد اولى ان يلاقي استحسان وتقدير المهتمين معك كل الحق .وانت في هذا المقال تدعو المترجمين إلى التحري والاستقصاء والبحث والامانة وهذه دعوة مقدرة تنم عن عمق معرفة وثقافة وعلم .مع الحب والتحية والاحترام والتقدير .تحياتي .مهند الشريف
تحياتي واحترامي استاذ عامر .مقال يوضح مكانة ودقة علم الترجمة وامانتها ويوضح جليا مدى معاناة المترجمين الجيدين وبحثهم عن الافضل وهذا جهد اولى ان يلاقي استحسان وتقدير المهتمين معك كل الحق .وانت في هذا المقال تدعو المترجمين إلى التحري والاستقصاء والبحث والامانة وهذه دعوة مقدرة تنم عن عمق معرفة وثقافة وعلم .مع الحب والتحية والاحترام والتقدير .تحياتي .مهند الشريف