شهدت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، ندوة ثقافية بعنوان “الأدب في العالم الرقمي بين التحديات والتطلعات” نظمها المكتب الثقافي ضمن فعاليات جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية للعام 2024 في دورتها السادسة. أدارت الندوة الأديبة نجيبة الرفاعي، وشارك فيها عدد من الأديبات الفائزات بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية وهن فوزية السندي، وشريفة علي التوبية، وجميلة عبدالله علي، وآمنة ربيع مبروك، ولولوة أحمد المنصوري، وحوراء علي الهميلي.
ضمت الندوة محاور أهمها مناقشة الوجود الإيجابي للأديب العربي في العالم الرقمي، وما يمكن للأديب العربي فعله لإثبات وجوده في العالم الرقمي، وأساليب الأدب الرقمي وعلاقته بالتحليل النقدي ومستقبل اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ثورة الأدب الالكتروني مع وجود أقلام تعتمد على الصفحات الإلكترونية لتنشر إنتاجها.
وكان لسموها مداخلة في الندوة، قالت فيها: “لا يمكن إنكار أهمية المنصات الرقمية في تسهيل عملية كتابة الأعمال الأدبية، وبالأخص مع طفرة الذكاء الاصطناعي الذي أصبح ينتج العمل الأدبي بالإنابة، وبالرغم من تلك المزايا التي تحملها البرامج الرقمية في تسهيل وصول الأديب لأدوات الكتابة والنشر، إلا أنها لن تحمل الإبداع والفكر البشري الذي يخاطب عقل الإنسان وقلبه، وهذا ما يجب أن يحرص الكاتب على تحقيقه في كتاباته”.
وتابعت سموها: “مع مرور الزمن، يلجأ الناس إلى المنصات الرقمية ليَصِلوا إلى المختصر الذي لا يكون في كل الأحوال مفيداً، فيقرؤن جملة من مقال ويظنون أنهم اكتسبوا المعرفة والعلم، وذلك بلا شك ليس مصدراً كافياً، فنهر العلم لا حد له، ولا يجب علينا الاكتفاء بكلمات قليلة من هذا العلم الشاسع. ولنا في صاحب السمو حاكم الشارقة أسوةٌ في حب العلم والمعرفة، فَسموّه له في كل ركن من منزله كتابٌ مفتوح، يحمل في صفحات كل منهم معارف مختلفة في الأدب والتاريخ والفنون وغيرها من المجالات ليوثقها في كُتُبه للأجيال القادمة، فذلك ما يؤكد أهمية استدامة العلم وتوارث الفكر الذي يصنع تاريخ وحضارة الشعوب”.
كما تحدثت خلال الندوة الأديبة فوزية السندي عن الأدب الرقمي، حيث قالت: “إن الحديث عن الأدب الرقمي هو حديث عن مستقبل الكتابة، فمنذ أن بدأ الانسان في العصر الحجري التعبير عن مشاعره كان يحفر على جدران الكهوف بأدوات تعبيرية بسيطة مثل الإزميل، وكان يعبر عن مشاعره من خلال الصور والرسومات، ومن ثم تطورت اللغة وتحولت لحروف وكلمات، وفي كل عصر واجهت الكتابة تطوراً في وسائل التواصل مع القراء ومع الآخرين، والآن الانتقال من الكتابة الورقية للرقمية، قدم للكاتب عدة إيجابيات منها أن الكاتب اليوم وبفضل التقنيات الحديثة يمكنه إخراج نصه ويمكنه أن يضيف إليه الموسيقى والصور، ويضيف له رؤية إخراجية، والفضاء الإلكتروني اليوم يتيح لنا التواصل مع شعوب العالم بأسهل وأسرع الطرق”.
وتحدثت فوزية السندي عن تجربتها في هذا المجال فقالت:
“أسست موقعاً أدبياً ووضعت كافة المقالات التي كتبتها الأدبية والنقدية والفكرية والفلسفية، ووضعت مقالاتي المترجمة بلغات عالمية، وكتبي الشعرية، وبهذا يمكن لأي قاريء في أي مكان بالعالم أن يصل لكتاباتي، كما أتاح لي نشر كافة الدراسات النقدية التي تناولت تجربتي الشعرية، وبالتالي تحول لفضاء يمكن للدارسين والطلاب والمستشرقين التعرف على تجربتنا والاستفادة منها في رسالتهم، كما حولت كتبي لكتب إلكترونية، وأنشأت موقعاً خاصاً لهذا بمشاركة ابني كونه روائي، وبهذا يمكن الوصول بكل سهولة للكتب، لذا من تجربتي أؤكد على أهمية الاستفادة من التقنيات الرقمية في إيصال كتبنا وكتاباتنا للعالم”
جميلة عبد الله، تحدثت عن الأدب التشاركي قائلة: أتاحت التقنيات الرقمية اليوم فرصاً أكبر للتفاعل بين الكاتب والقراء، وهناك من يشارك الكاتب الوم في كتابة النص من خلال تغيير النهاية مثلاً، أو اقتراح أحداث مختلفة لما قدمه الكاتب، وبالطبع لا أمانع في وجود الأدب التفاعلي أو التشاركي، إذا كان العمل الأدبي يحمل رسالة إنسانية مهمة ولا يضر أحداً، وإذا كان الهدف منه تحقيق التواصل الإيجابي والتفاعل المثمر بين الكاتب والقراء، لتبادل الآراء ومشاركة الأفكار، ووضع حلول لقضيا مجتمعية مهمة، دون الخوض في أي مشكلات أو لغط أو تغيير جذري للنص الأصلي، الذي يجب أن يحتفظ بمحاوره الأصلية وأفكاره، وأضافت مؤكدة أنه سبق تطبيق هذا الأدب من خلال بعض الروايات العربية والأجنبية المنشورة ورقياً، وبالطبع تطبيقه اليوم رقمياً سيكون أسرع وأسهل، شرط كما سبق وذكرت أن تكون الإضافة في صالح النص وصالح الرسالة الإنسانية.
آمنة ربيع مبروك تحدثت عن النقد في ظل التقنيات الرقمية قائلة: “الناقد الناجح..هو الناقد المسلح بالمعرفة والفكر والهوية الثقافية المتوارثة عبر الأجيال، إضافة للسلاح التقني، الذي يدعمه ويسهل له عملية قراءة الأعمال الأدبية ونقدها بشكل ممنهج وصحيح.”، وأضافت:
“بالطبع في ظل التقنيات الرقمية تزداد مهمة الناقد صعوبة، مع ضرورة الحرص على التمييز بين النص الجيد الذي يستحق النقد، ولكن في الوقت ذاته يمكنه الاستفادة من التقنيات الرقمية في سرعة وسهولة الحصول على النصوص التي يرغب بقراءتها ونقدها، لذا على الناقد اليوم أن يواكب عصره ويتمع بثقافة برمجية عالية، ويترك الورقة القلم ويهتم بالحاسوب”، وأكدت أن النصوص التفاعلية التشاركية اليوم تكون متشعبة عادة وتجعل مهمة الناقد أكثر صعوبة، ولكن عين الناقد يجب أن تسعى دائماً نحو ذات الهدف، وهو البحث عن النص الحقيقي وعن جماليات إبداعه وتميز ثقافته”.
حوراء علي الهميلي تحدثت عن الأدب قائلة: الأدب الحقيقي هو ذاك الذي يلامس الروح، هو ما نشعر به ويقترب من القلب، بغض النظر عن اللغة، فقد تكون اللغة غير مفهمومة لنا، ولكن الكلمات الصادقة تعرف طريقها مباشرة نحو القلوب، لذا لا يمكن للذكاء الاصطناعي مهما تطور أن يقدم لنا نصاً شعرياً يلامس أرواحنا، فعندما تأتيني إحدى الحاضرات وقد تأثرت بإحدى قصائدي، رغم أنها لم تفهمها كلغة، إلا أنها لامست روحها ومشاعرها، فهذا هو المهم، فالذكاء الاصطناعي لايمكنه كتابة نص شعري حقيقي، ويمكننا الاستفادة من هذه التقنيات في الطباعة وسرعة الحفظ والإرسال، فاليوم يمكننا الوصول لأي مكان في العالم من خلال الأجهزة التقنية”.
شريفة علي التوبية تحدثت عن الأدب الرقمي قائلة: الأدب الرقمي هو لغة العصر، والانسان المعاصر يواكب الأدب الرقمي، ويتعايش معه، ويستفيد من تقنياته لتطوير عمله، ولكن هذه التقنيات الرقمية وجدت لتسهل لنا آلية العمل، ولا يمكنها أن تأخذ دور الأديب، كما أنها تتصف بالسرعة والضجيج، بينما يحتاج الأديب للهدوء والعزلة ليبدع.
وعن تجربتها الشخصية قالت: كنت أعاني من مشكلة خطي السيء نوعاً ما حين أكتب بسرعة، والكاتب بالطبع يلاحق أفكاره فيضطر للكتابة بسرعة، وجاءت التقنيات الحديثة وساعدتني لأتجاوز هذه المشكلة من خلال استخدام الحاسوب.
لولوة أحمد المنصوري تحدثت عن ارتباطها بالكتاب الورقي والأقلام، حيث قالت: “رغم كل التطور الرقمي الذي نعيشه اليوم، إلا أني لازلت أكتب بالقلم، ولا يمكنني الاستغناء عن حميمية الورق، حتى كتبي الورقية لم أستطع استبدالها بالكتب الرقمية، فكيف للذكاء الاصطناعي مهما تطور أن يكتب لي نصاً إنسانياً مؤثراً؟
وأضافت قائلة: “كنت أفكر في تحويل مكتبتي الورقية لمكتبة إلكترونية، على اعتبار أن هذا أسهل، ولكني بعد أن زرت الهند مؤخراً ولاحظت اهتمام الأسر بالاطلاع على الصحف اليومية وحرصهم على القراءة وتقديرهم لأهمية الصحيفة والكتاب كمصدر للمعلومة رغم توفر الحواسيب لديهم والجوالات، قررت أن احتفظ بكتبي وبكل ما تحمله الأوراق من حميمية”.