Uncategorized

بدائع قرآنية (9)  د . أحمد الزبيدي    –     الإمارات

د. أحمد الزبيدي

 

*يزخر القرآن العزيز، من أوله إلى آخره ببديع ‌اللطائف ‌القرآنية، ورفيع المعاني البيانية، وأنوار الحقائق الربانية، فأينما يَمَّمْتَ وجهكَ، وحيثما أرسلت طرفَك، وكيفما أعملت فكرَك؛ في سور القرآن ، وآيات الفرقان، رأيتَ ذلك التناسق البديع، وألفيت ذلك التناسب الرفيع، ووجدت ذلك الإعجاز المنيع، بأحسن نطق، وأفصحه، وأبينه، وأعجبه فلله دره ؛ ما أبعد غوره، وأحلى نظمه! وأنقى درّه، وأعلى قدره، وأعجب أمره!  إذا ‌نطَقَ أصابَ، وإنِ استُمْطِرَ صابَ، وإذا سُئل أجاب.

 في حلقات هذه الزاوية العلمية ؛ نستعين الله عز وجل على استنطاق صوابه، واستمطار صابه، والاسْتِظْلالِ بظلاله، و التنعم في رحابه، والاقتباس من شهابه، بتسليط الضوء على شيء من عجائبه، و استجلاءِ بعض غرائبه، مبتدئين بسورة الفاتحة، ومنتهين بسورة الناس، معتمدين في ذلك-بعد الله – على كتب التفسير بأنواعها، لا سيما “تفسير الطبري “، و “مفاتيح الغيب” للفخر الرازي، وتفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ومعاجم اللغة، مثل اللسان، لابن منظور،  والقاموس، للفيروز أبادي، وشمس العلوم، لنشوان الحميري،  وكتب المفردات، مثل كتاب “ألفاظ القرآن للراغب” وكتب الأدب، وكتب البلاغة، وكتب  توجيه متشابه اللفظ من آي التنزيل، لا سيما كتاب “دُرة التنزيل وغُرة التأويل”، للخطيب الإسكافي و”ملاك التأويل” للغرناطي، و”الدر المصون” للسمين الحلبي، كذلك دواوين الشعر، وكتب الأدب، و الرسائل والخطب ، وغير ذلك من الكتب ذات الصلة والعلاقة القريبة والبعيدة.*

                    “البقرة” (د)

قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {‌ويقتلون ‌النبيين ‌بغير الحق}  [61]

قال الإمام الطبري :” أنهم كانوا يقتلون رسل الله بغير إذن الله لهم بقتلهم، منكرين رسالتهم ،جاحدين نبوتهم”.

قال صاحب درة التنزيل: ” الحق” هو ما قاله الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) (الأنعام: 151) ، والحق هو أن يكون قتل نفسا مؤمنة لم يجب عليها.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ‌كَانَتْ ‌بَنُو ‌إِسْرَائِيلَ ‌فِي ‌الْيَوْمِ ‌تَقْتُلُ ‌ثَلَاثَمِائَةِ ‌نبي، ‌ثم ‌يقيمون ‌سوق ‌بقلهم من آخِرِ النَّهَارِ.”

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ.

قال الإمام الرازي : ” أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {‌ويقتلون ‌النبيين ‌بغير ‌الحق}، فلِمَ قَالَ: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْبَاطِلِ قَدْ يَكُونُ حَقًّا لِأَنَّ الْآتِيَ بِهِ اعْتَقَدَهُ حَقًّا لِشُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ، وَقَدْ يَأْتِي بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ بَاطِلًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ أَقْبَحُ فَقَوْلُهُ: {‌ويقتلون ‌النبيين ‌بغير ‌الحق}.

 أَيْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ كان ذَلِكَ الْقَتْلُ حَقًّا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَخَيَالِهِمْ، بَلْ كَانُوا عَالِمِينَ بِقُبْحِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوهُ.

ثَانِيهَا: أَنَّ هَذَا التَّكْرِيرَ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 117]، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِمُدَّعِي “الْإِلَهِ الثَّانِي” بُرْهَانٌ

 وَثَالِثُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ ذَمَّهُمْ عَلَى مُجَرَّدِ الْقَتْلِ لَقَالُوا: أَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ يَقْتُلُهُمْ وَلَكِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: الْقَتْلُ الصَّادِرُ مِنَ اللَّهِ قَتْلٌ بِحَقٍّ وَمِنْ غَيْرِ اللَّهِ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال: إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة، بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر. ويمكن أن يقال: إنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه، بل أرشدوهم إلى مصالح الدين والدنيا كما كان من شعيا وزكريا ويحيى، فإنهم قتلوهم وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون.)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. السلام عليكم وصباح الخير يا دكتور
    دعنا نغرف معك ومنك من هذا الجمال الرباني وتنور به هذا الصباح بالكلام المفيد والعلم السديد.
    وفق الله لما فيه الخير لنا ولكم

    1. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      نفعنا الله وإياك بالقرآن العظم، والذكر الحكيم، وكثر الله من أمثالك.

  2. ما شاء الله عليك
    الله يجزيك الخير دكتور احمد وينفع بك وبعلمك
    وجمعة مباركة لك ولمجلتكم الكريمة🌷

  3. ما شاء الله تبارك الرحمن .
    ما أحلاه ، و ما أجمله كأنك تحمل على شفتيك مقامات بديع الزمان الهمداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى