مقالات

بين العامية والفصحى (19)        د.  أحمد الزبيدي         –         الإمارات

التأويل الحداثي للتراث

د. أجمد الزبيدي

(محمد شحرور)

1

تحدثنا في المقالات السابقة عن الدعوة إلى اتخاذ العامية أداة للتعبير الأدبي، وإحلالها محل العربية الفصحى؛ وأثبتنا بالدليل القاطع أنها كانت وما زالت من أخبث وأخطر الدعوات التي ابتليت بها الأمة العربية عبر تاريخها الطويل، وسلطنا الضوء على أول من تولى كبرَ هذه الدعوة وهو المستشرق الألماني د “ولهلم سبيتا”، الذي كان يعمل مديرًا لدار الكتب المصرية بالقاهرة، ثم خلفه فيها كثير من المستشرقين؛ مثل “سلدون ويلمور” القاضي الانجليزي في المحاكم الأهلية في مصر، ومهندس الري “وليم ويلكوكس” الذي وفد إلى مصر في أوائل عهد الاحتلال ، وعاش فيها أربعين سنة -يأكل خيرها، وينهب ميرها، ويفكر ليلًا ونهارًا في القضاء على ذكرها.

ذلك عهد مضى، وزمان انقضى، أما اليوم فقد تغيرت الوجوه، وتعربت الأسماء، وظهرت الألقاب، وكثر الأدعياء، نعرف وننكر! يتكلمون بألسنتنا، ويشككون بكتابنا وسُنَّتِنا، ويطعنون بأسنَّتنا، وهم للأسف من أبناء جلدتنا- أضاعوا اللغة والدين والأخلاق، ولم يعرفوها بله أن يدرسوا شيئًا عنها، ملأوا وسائل التواصل الاجتماعي صراخًا وضجيجًا، يَتَنادونَ بتفسير القرآن الكريم تفسيرا عصريا، ويدّعون الاجتهاد المطلق، وهم لا يستطيعون قراءة آية واحدة، فضلًا عن فهمها وتفسيرها، ولا يخفى على من أوتي مسكة من عقل أن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، وإذا كان ذلك كذلك، فإن القرآن يجب أن يفسر باعتباره عربيًا؛ مفردات وتراكيب، ومعانٍ وأساليب، ومن المعلوم بداهة أن التفسير يتطلب معرفة واسعة وعميقة في اللغة العربية في شتى فروعها ولا سيما علم النحو، ويتطلب درجة عالية من الفهم والإدراك، كما يحتاج إلى معرفة كثير من الألفاظ المعجمية التي قد تشير إلى مدلولات معينة ومعاني معهودة، وثمّ آيات لا يمكن تفسيرها وفهم معانيها إلا بالوقوف على أسباب نزولها، وقد جاءَ النَّصُّ على عربيةِ القرآنِ في غيرِ ما آيةٍ، منها:

1 – قولُه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].

2 – وقولُه تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113].

3 – وقولُه تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28].

4 – وقوله تعالى: {وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12].

5 – وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]، وغيرُ هذه الآياتِ التي نَصَّتْ على عربيَّةِ القرآنِ.

ولما كانَ الأمرُ كذلكَ، فإنه لا يمكنُ العدولُ عن هذه اللُّغةِ التي نزلَ بها القرآنُ؛إذا أُرِيدَ تفسيرُ الكتابِ الذي نزلَ بها؛ لأنَّ معرفتهُ معرفتها ومعاني ألفاظه لا تؤخذُ إلاَّ منها.

قال ابن فارس (ت:395): “إنَّ العلمَ بلغةِ العربِ واجبٌ على كُلِّ متعلقٍ منَ العلمِ بالقرآنِ والسُّنَّةِ والفُتْيَا بسببٍ، حتى لا غَنَاءَ بأحدٍ منهم عنه، وذلك أنَّ القرآنَ نازلٌ بلغةِ العربِ، ورسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عربيٌ، فَمَنْ أرادَ معرفةَ ما في كتابِ اللهِ جلَّ وعزَّ، وما في سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم من كلِّ كلمةٍ غريبةٍ أو نَظْمٍ عجيبٍ، لم يجدْ مِن العلمِ باللغةِ بُدًّا”.

وقالَ الشَّاطبيُّ (ت 790 ه): “لا بُدَّ في فَهْمِ الشَّريعةِ من اتباعِ معهودِ الأمِّيِّينَ، وهم العربُ الذين نزلَ القرآنُ بلسانِهم، فإنْ كانَ للعربِ في لسانِهم عُرْفٌ مُستمِرٌّ فلا يَصِحُّ العدولُ عنه في فَهْمِ الشَّريعةِ، وإنْ لم يكنْ ثَمَّ عُرْفٌ، فلا يَصِحُّ أنْ يُجْرَى في فَهْمِهَا على ما لا تعرفُه، وهذا جَارٍ في المعاني والألفاظِ والأساليبِ”.

ويُفهمُ من ذلك أنَّ معرفةَ اللُّغةِ العربيَّةِ شرطٌ في فَهْمِ القرآنِ؛ لأنَّ من أرادَ تفسيرَه، وهو لا يَعْرفُ اللُّغةَ التي نزلَ بها القرآنُ، فإنه لا شَكَّ سيقعُ في الزَّلَلِ ويحرِّف الكَلِمَ عن مَواضِعِهِ، كما حصلَ من بعضِ المبتدعةِ الذين حملوا القرآنَ على مصطلحاتٍ أو مدلولاتٍ غيرِ عربيَّةٍ.

وإذا علمنا أن في القرآن آيات محكمة واضحة المعنى، وآيات متشابهة مبهمة المعنى، تغمضُ على كثير من الناس، ولا سيما الآيات التي تحتمل معان مختلفة؛ إذا علمنا كل ذلك فليت شعري أنى لشخص مثل “محمد شحرور” لم يقرأ متناً نحويا أو صرفيا واحداً، ولم يحفظ بضع آيات، وإذا تكلم لا يكاد يبين، ويخطيء في قراءة الآيات وأكثر كلامه كذب ومَيْن ، يدعي لنفسه الاجتهاد ويقول بلسان حاله ومقاله:

  وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

وقبل أن نتحدث عن جهل “شحرور” في كل ما مر معنا وكل ما قررناه أنفا، نريد أ ن نقرر أمرًا وهو أن شحرور عندما خرج على الناس بكتابه (الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة)، وقد بلغ سبعمئة وثلاثين صفحة، ذكر في مقدمته أن له صديقاً اطلعه على اللسان العربي، وأن اطلاعه-بعدُ – على تلك الأسرار، قد مكنه من أن يُؤوّل القرآن تأويلًا مستحدثًا يصلح لكل زمان ومكان !.

وقد أرسل لي بعض الإخوة “الكتاب” لأنظر فيه ، إن كان يستحق القراءة والاقتناء، أم هو من قبيل ما تقذفه علينا المطابع من غث وسمين لا يساوي الحبر الذي كتب فيه، وقرأت، وسجلتُ، وحققتُ، ودققتُ، لكني لم أذعْ شيئًا من ذلك على الناس في مقال أو كتاب، ربما احتقارًا لشان الرجل، او استهانة بما جاء في الكتاب، أو ربما لأنني لم أظن يومًا -حتى في أسوأ كوابيسي- أن يأتي يوم على شحرور، ويشار إليه بالبنان، ونجد من يطبع كتبه، وينشر ترهاته، ويكون له من بعدُ تلاميذ ومريدين.

وقبل كل شيء أريد أن أصارح القاريء الكريم، بأنني منذ اليوم الأول الذي قرأت فيه الكتاب لم اقتنع لحظة واحدة بأن “شحرور” هو كاتبه، ولا سيما بعد أن استمعت إليه في لقاءات تلفزيونية، أو في محاضرات عامة، أو لقاءات خاصة، كل ذلك عزز عندي شيئًا واحدًا أن “شحرور” ليس هو صاحب الكتاب، ولا يعلم ما فيه على الوجه الذي كتب فيه، وإنما نصيبه من ذلك وضع اسمه عليه، وسيأتي يوم ليس بالبعيد وتظهر حقيقة ذلك، ويشهد الله أني لا أقول ذلك ظنًا مني أن مستوى الكتاب جيد، بل إن مستواه دون المستوى لطالب إعدادي فضلًا عن أن يكون طالبًا جامعيًا. أقول ذلك لأن “شحرور ” حين تسمعه يضحُ لك أنه يشكو العي، والحصر، واللحن، والغلط، والغفلة، واختلال الحجة، ومع ذهاب البيان يفسد البرهان، وفي فساد البرهان هلاك الدّنيا وفساد الدين، وغضب الديّان، وقد سمعته مرات وكرات يقرأ عددًا من الآيات ويخطيء في ضبطها وإعرابها، والداهية الدهياء أن جمهوره الذي يستمع إليه كان يصحح له الآية، فلا ينفك برجع إلى قراءتها خطأٍ ولحنًا. ورحم الله الشاعر حيث يقول:

جمعت صنوف العي من كل وجهة

وكنت جديرًا بالبلاغة عن كثب

والأمر الثاني: أننا لن نرد على “شحرور” في كل ما لغا به في كتابه، وما سجله من أباطيل وشبهات، لأننا لو فعلنا لما انتهينا، وإذا كان الشاعر القديم يقول:

وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها

كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ

فإننا نقول كما يقول الأديب الصيداوي عندما سئل عن الصواب في كتاب “شحرور” فرد عليهم ببيت بشار:

قد زرتِنا مرَّة ً في الدهر واحدة ً

 عُودِي ولاتَجْعَلِيها بيضَة َ الدِّيكِ

وما ذلك إلا لأن المؤلف قال صوابًا في العبارة الأولى من كتابه فقط، وهي قوله : “الكتاب من كتب”، فلما تخطاها لم يهتد بعدها إلى صواب قط!

والحمد لله أن لقاءاته وترهاته كلها موجودة على الشبكة العنكبوتية، على أن كل المخالفات والبدع والأهواء التي نشأت قديما وحديثا سببها الجهل باللغة العربية.

 ذكر الإمام الخطيب البغدادي (ت 463 هـ):”أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ جَاءَ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مِنَ الْعُجْمَةِ أَتيْتَ يَا أَبَا عُثْمَانَ! إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّ الْإِخْلَافَ فِي الْوَعِيدِ خَلَفًا وَذَمًّا، وَإِنَّمَا تَعُدُ إِخْلَافَ الْوَعْدِ خَلَفًا وَذَمًّا، وَأَنْشَدَ: وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ … لَمُخْلِفُ إِيعَادَيِ وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي.

وروى الخطّابي عن أبي العالية أنه سئل عن معنى قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون: ٥]، فقال: هو الذي ينصرف عن صلاته ولا يدري عن شفع أو وتر. قال الحسن: مه يا أبا العالية. ليس هكذا، بل الذين سهوا عن ميقاتها حتى تفوتهم، ألا ترى قوله: «عن صلاتهم» !.

فلما لم يتدبّر أبو العالية حرف «في» و «عن» تنبّه له الحسن، إذ لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال: «في صلاتهم»، فلما قال: «عن صلاتهم» دل على أن المراد به الذّهاب عن الوقت.

وقد حَكَى أبو حاتم السِّجِسْتَانِيُّ (ت:255) ، عن الأخفشِ النحويِّ البصريِّ (ت:215) أنه فسَّرَ قولَه تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] من القُدْرَةِ .

قال الأزهري (ت:370): «قال [أي: أبو حاتم]: ولم يدرِ الأخفشُ ما معنى نَقْدِرْ، وذهبَ إلى موضعِ القُدْرَةِ، إلى معنى: فَظَنَّ أنْ يَفُوتَنَا.

ولو عَلِمَ أنَّ معنى نَقْدِر: نُضَيِّقْ، لم يَخْبِطْ هذا الخَبْطَ. ولم يكنْ عالماً بكلامِ العربِ، وكانَ عالماً بقياسِ النَّحْوِ».

ثم قال الأزهري (ت:370): «… والمعنى: ما قَدَّرَهُ اللهُ عليه من التَّضيِيْقِ في بطنِ الحوتِ، ويكونُ المعنى: ما قَدَّرَهُ اللهُ عليه من التضييق؛ كأنه قال: ظنَّ أن لن نُضَيِّقَ عليه، وكل ذلك شائعٌ في لغةِ العربِ، واللهُ أعلمُ بما أرادَ.

والأمثلة في هذا كثير، غير أننا سنتكلم عن أشهرها في التراث العربي كله؛ ألا وهي مسألة “خلق القرآن” التي كانت وقتها الشغل الشاغل للدولة والناس خاصتهم وعامتهم، وأصبحت حديث مجالسهم وانديتهم، وحاضرتهم وباديتهم، مدة 15 سنة، حتى تولى المتوكل الخلافة فأصدر أمره برفع هذه المحنة، فاستراح الناس وتنسموا الرحمة بعدما لبثوا مدة في العذاب المهين.

قال الإمام الرازي :” تمسكوا- المعتزلة- بهذه الآية في خلق القرآن. (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ). قالوا: الآية دالة على أنه تعالى خالق لكل الأشياء، والقرآن ليس هو الله تعالى، فوجب أن يكون مخلوقًا وأن يكون داخلًا تحت هذا العموم. والجواب: أقصى ما في الباب أن الصيغة عامة، إلا أنا نخصصها في حق صفات الله تعالى بسبب الدلائل العقلية”.

ونزيد الأمر وضوحًا فنقول:

(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) “نعم، والقرآن شيء أيضًا نعم، إذن القرآن مخلوق! فإذا كان كل شيء مخلوق، وثبت ان القرآن شيء، فهو إذن مخلوق كباقي المخلوقات”

إلى هذا ذهب “شحرور” وأمثاله، وهكذا بنوا على هاتين المقدمتين المنطقيتين أن القرآن مخلوق!

ونقول لهم -كما قال أبو عمر بن العلاء لعَمْرَو بْن عُبَيْد: “إنما أتيت من العجمة”، فالقرآن نزل بلغة العرب ، ولا يصح أن يفهم إلا بها؛ لفظا، ومعنى، وأسلوب، وتراكيب، فماذا تفهم العرب من هذا الأسلوب؟ إن العرب تفهمه فهما مرتبطا بالفعل المذكور في الآية وهو الخلق، أي إن كل شيء مخلوق فالله خالقه، والمراد إثبات صفة الخلق لله، وليس شيئًا آخر. وما زال الناس إلى يومنا هذا يفهمون هذا الأسلوب ويستعملونه، حتى العوام منهم، فإنك لو قلت لزوجك: أطبخي كل شيء في البيت، فإنها تفهم أنها تطبخ كل شيء من شأنه أن يطبخ؛ من لحم وأرز، وخضار ، وغير ذلك، ولن يدور في خلدها أن تطبخ متاع البيت وأثاثه !

قال الإمام الشوكاني-رحمه الله- عندما تكلم عن المحنة-:” مَسْأَلَةُ “خلق القرآن”، وَإِنْ طَالَتْ ذُيُولُهَا، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِيهَا فِرَقًًا، وَامْتُحِنَ بِهَا مَنِ امْتُحِنَ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، لَيْسَ لَهَا “كبير” فَائِدَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ،…”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. بارك الله في هذا القلم الذي ما جفّ حبره عن نصرة الحق، وما توانى عن الدفاع عن لغةٍ شرفها الله من فوق سبع سماوات. مقالك نفحة إيمانية وثقافية أحيت فينا الشعور بالانتماء للغة القرآن، وذكّرتنا أن صيانة الفصحى ليست ترفًا بل عبادة وهوية. جزاك الله خيرًا، ورفع قدرك، وجعل كلماتك نورًا لمن يقرؤها وذخرًا لك يوم تلقى ربك.

  2. لطالما كان النقد الأدبي ذات مرارة .. لاذع يكتوى به الناقد من قبل حاسديه ممن يدّعون البلاغة و رهافة الكتابة.. يبتعد عنه الكاتب قبل القاريء خشية أن يطاله بعض سقطات أشباه الأدباء.. حتى تقرأ للدكتور الزبيدي الذي أحسبه عند الله من علماء الفصحى المجددين في هذا القرن من الزمان و الحافظين للغة القرآن الكريم.. خير من فنّد بالبرهان.. و أفضل من يشار إليه بالبنان.. ذو علم و بيان.. و خصال و جمال.. تبحر في أمواج نقده البنّاء البعيد عن الحسد و الغيرة و الجفاء.. تغوص في بحر جمله تلتقط لؤلؤاً ذا بريقٍ يسر الناظرين.. إن كان الدكتور الزبيدي قد أفضى ما في جعبته من نقد للمدعو شحرور فقد وُفق لهذا و صدق.. و حرر و كما عوّدنا، استبق..! و استنصر لإسلامه المعتنق.. في ذمّهِ حلاوة و في نقده طلاوة و في مفرداته سماوة.. خير من ضبط المعاني و تُغنى له القوافي.. دكتورنا الفاضل أحمد الزبيدي لك تقف القامات لتزيدك رفعة و شموخاً..
    محمد عرسان

  3. لم نعد نفهم شيئاً من ثقافة المزايدة المحلية على السادة البيض، كانوا في البداية يصرون على تاريخية نص القرآن الكريم وأنه خاطب مجتمعاً في الماضي، في محاولة لفصله وفصل أحكامه التي تزعج أهواءهم عن حاضرنا، طيب استقر حالهم على فكرة التاريخية، فما هي جدوى القراءة المعاصرة في مفهومهم إذا كان النص جزءاً من ماض انتهى؟ أليس من أساسيات فهم التاريخ قراءة الحدث وفقاً لزمانه ومكانه وعدم قياس أحداث متأخرة أو إسقاط رغبات لاحقة على أحداث وأزمان ماضية؟ كيف يمكن التعامل مع النص القرآني “التاريخي” وفق هذا المنهج بتقديم قراءة “معاصرة” تقلب كل مفاهيم تاريخ الحدث كما كان في زمنه؟ أم هي محاولة لتسهيل تجاوز أحكام القرآن الكريم على المسلم بجعله يتركها وهو يظن أنه ملتزم بأحكام جديدة كانت في باطن الآيات حتى جاء مهندس كهربائي فأعاد ترتيب الأسلاك القديمة فحول الدراجة الهوائية بمهارة حاو إلى سفينة فضائية وهمية تناسب صورتها العصر؟ يعني هي نفسها فكرة التاريخية التي تنهي فعالية القرآن الكريم في زمننا ولكنها تعطي مخدراً فعالاً يوهم من يتناوله بمسايرة العصر ويجعله يسبح في فضاء واسع من السعادة بلا قيود الماضي الثقيل.
    هؤلاء يحاولون إثبات جدارتهم في تشريح أنفسهم وتغييرها أمام سادتهم الذين لم يدخروا وسعاً في التشريح والتغيير أصلاً، ولهذا أضع نتائج هذه الجلد الذاتي أمام أكثر الأبحاث التاريخية الغربية تطرفاً لمعرفة قيمتها، فنلاحظ أن ثقافة المزايدة، إن صحت تسميتها ثقافة، لا تؤخذ مأخذ الجد عند الأسياد الذين يحترمون ثقافتهم، فما قاله شحرور من نفي مسلمات النص المفترض أنه تاريخي واتفق سادته على أن معانيه واضحة ولكنها ماضية، أو ما قاله يوسف زيدان عن نفي موقع القدس، وما قاله الأقل شأناً منهم كنفي موقع مكة المكرمة، كل ذلك لم يدخل في دائرة الاعتراف الغربي بهم، هم مجرد أدوات تستخدم في البروباغاندا السياسية الخاصة ببلادنا ويدعمها أجهزة إعلامية موجهة لا تلتزم بمعايير العلم ومستنداته ولا قيمة علمية لها، ولكن هذا كله في دواخلنا، فالدوائر الأكاديمية الغربية لا تعترف بتهريجهم، ولا تنشره ولا تتبناه، قارن مثلاً بتبنيهم استشراق إدوارد سعيد رغم أنه تعرض للردود الواسعة منهم، ولكن طرحه دخل ضمن ثقافتهم لأن مستنداته كانت قوية وفق مقاييسهم ومبنية على معاييرهم الدقيقة ولهذا شعروا بالإرباك من طرحه، على عكس هؤلاء المهرجين الذين ينكرون البديهيات، ويستنكر المثقفون الغربيون على أنفسهم ترديد هذا التهريج في كتبهم وموسوعاتهم عن التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية رغم أن بداية هذه الروايات كانت تلمذة على أطروحات المستشرقين الأوائل، ولكن يبدو أن ما حدث في السياسة هو نفسه ما حدث في الثقافة، فقد فرضوا علينا سياسياً واقع التجزئة والتبعية والتنافر وهدر الإمكانات وكل ما لا يقبلونه لأنفسهم، وهذا ما حدث في الميدان الثقافي، إذ قدموا لنا ما لا يمكن أن يقبلوه لأنفسهم.

  4. السلام عليكم دكتور أحمد
    حقيقة قل وندر من يكتب بهذا الاسلوب وهذة الطريقة في عصرنا الحالي أو قديما حسب علمي
    فجزاك الله خيرا وسلمت يداك.

  5. أحسنت دكتور أحمد.
    هكذا يفهم اللَّبيبُ المعاني
    لا الَّذي تبتغي ضلالاً عقولُ
    لكن دعني أناقشك في أمر؛ تقول إنَّ المخالفات والبدع والأهواء كلَّها، قديمها وحديثها، سببها الجهل باللُّغة العربيَّة. وأقول إنَّ
    لهوى النُّفوس سريرةً لا تُعلمُ
    ولا أختلف معك في أنَّ الرُّجل، أعني شحروراً، جاهل بالعربيَّة لكن هل تعتقد أنَّ جهله هذا وحده هو ما يفسِّر مخالفاته في الفهم والتَّفسير أو التَّأويل؟
    الدَّرب الَّذي سلكه شحرور سلكه قبله كثيرون ممَّن يحلو لأنصارهم أن يصفوهم بالمنظِّرين أو المفكِّرين أو المجدِّدين، وسيسلكه بعده شحارير كثيرون. الرَّجل يرى نفسه على بيِّنة من الأمر وأنَّه يريد الإصلاح، هذا ما نفهمه من افتتاحه كتابه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) بالآية ٨٨ من سورة هود، وما دام على بيِّنة فهو مؤهَّل لأن يفسِّر القرآن بالرَّأي. ولا بأس لو كان قد امتلك أدوات التَّفسير وفي مقدَّمتها العلمُ باللُّغة العربيَّة: نحوها وصرفها وبديعها وبيانها، والعلمُ بأصول العلوم المتَّصلة بالقرآن، لكنَّ جهله بهذين العلمَين أبينُ من الشَّمس. ثمَّ إنَّه لم ينظر إلى السُّنَّة في تفسيره آيات القرآن. إذن، هو إذ يفسِّر لا يأخذ بالرِّواية وإذ يؤوِّل لا يُظهر دراية، وإنَّما هو مبتدع؛ ابتدع في تأويل آيات العبادات والحدود والأحكام، ووَصف ابتداعَه بأنَّه فهمٌ معاصر لمجتمع معاصر، وإنَّما هي شنشنة لا تخفي هوىً يستتر في النَّفس.
    وفوق جهله بالعربيَّة وغفلته عن وجود معنى اصطلاحيٍّ فضلاً عن المعنى اللُّغوي للكلمات فقد قفز إلى الابتداع، بله التَّدليس، في تفسير معاني مفرداتها ليفسِّر الآيات وفق هوى نفسه، وأمثلة ذلك كثيرة مطروحة في المؤلَّفات الَّتي تحمل اسمه وفي الحوارات الَّتي أطلَّ بها على النَّاس من شاشات كثيرٌ منها أمَّارة بغير الخير. وهذا الابتداع كذب صُراح لا يليق بمفسِّر يُنتظر منه الصِّدق في القول والضَّبط في النَّقل.
    وأمَّا القول بخلق القرآن فلو لم يكن له كلام غيره لكفى أن يكون من المبتدعين، وهو في ذلك
    كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَها فلم يضرْها وأوهى قرنَه الوَعَلُ
    لكنَّ خطر الشَّحارير قائم وبضاعتهم رائجة فهم ينفذون إلى عقول النَّاس بالكلام على إصلاح المجتمع، ومن منَّا لا يريد إصلاحاً؟
    أحيِّيك وقد أخذت على عاتقك مهمَّة فضحهم والتَّنبيه على خطرهم، وأُكبر فيك غيرتَك على دينك ولغتك.

  6. مقال آخر جميل من مقالات الدكتور أحمد الزبيدي التي يدافع فيها عن القرآن وعن اللغة العربية دفاع الغيور على تراث أمته. لا شك أن في شحرور كلَّ ما قاله الدكتور الزبيدي من الجهل باللغة وعلومها، إلا أن الرجل كان يقول كل ما يقول عن سوء نية وخبث طوية. فليس الجهل وحده هو الذي كان يدفعه إلى أن يقول كل ما كان يقول أو ينشر، بل وراء كل ذلك قصد وتصميم. وإلا فكيف نفسر قوله إن قطع يد السارق لا يعني بترها وإنما يعني كفَّها عن مزاولة السرقة، كما تقول قطعتُ رجلَه عن داري أي منعته. إن هذا القدر البسيط المشترك بين الناس في فهم دلالة مفردات اللغة لا يمكن أن يخفى على شحرور. والدليل على ذلك أنه يقول إن الفعل قطَع بدون تشديد لا يعني القطع بآلة حادة ولكن إذاكان مشددًا كقوله تعالى: وقطَّعْنَ أيديَهُنّ، كان معناه القطع بآلة حادة. وقد فاته قوله تعالى: ما قطعتم من لينة، والفعل هنا غير مشدد ويعني القطع بآلة حادة، مما ينسف نظريته من أساسها، ويكشف عن جهله وخبثه جميعًا. إن منطق شحرور لا يمكن أن يصدُق إلا داخل نظامه الخاص، ولا يمكن نقده من الخارج لأنه لا يعترف بأي مرجع خارجي فهو مرجع نفسه. وهنا تكمن استحالة الحوار مع أتباعه لأنهم يحاكمونك إلى منطق شحرور ولا يقبلون أي منطق آخر.

اترك رداً على د ثريا نعمان ماهر/ كندا إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى