مقالات

 تاج محل فاطمة عبد الله  –  جزر القمر

ولادتي ونشأتي كانت في بيئة مادية دنيوية لا علاقة لها بالموت ومظاهره وأصحابه، فزيارة قبور الموتى أمر محرم عندنا اجتماعيًا . عند مصادفة المقبرة كل ما علينا هو أن نخفض صوت الموسيقى و نلقي السلام مرددين: أنتم السابقون ونحن اللاحقون وننصرف. أول مقبرة زرتها كانت مقبرة الشهداء في الدار البيضاء مع صديقة لي كانت في زيارة لأمها المرحومة بإذنه تعالى
كانت المقبرة تعج بالناس كالأسواق، كما أن البيع والشراء كانا حاضرين، وحفظة سورتي “ياسين” و”تبارك”
الموت عندهم لا يختلف عن الحياة،
فالمقبرة كانت كالمدينة مقسمة إلى سكيك وحارات، وعلى جانبيها بيوت تحمل أرقامًا كبيوت المدينة، ومن القبر تستطيع أن تميز إذا كان صاحبه غنيًا أو فقيرًا.. هل الرخام يغطي القبر أم التراب ؟ و (شاهد) القبر كبير أم  صغير؟ وهل نقشت عليه سورة من القرآن الكريم أم آية فقط؟
وتستطيع ان تعرف إذا كان أولاد الميت  بارين أم عاقين من الورود والنباتات المزروعة حول القبر.
هذا بعض ما تراه العين، أما أذناك  فكأنهما تسمعان كل إذاعات القرآن الكريم التي فتحت في وقت واحد،   أما بالنسبة إلى حاسة الإغواء، فرائحة ماء الزهر وماء الورد تزكم الأنوف.
أنا من خلال هذه الزيارة تمنيت أن أدفن في قبر بلا أي عنوان أو رخام أو شاهد. أردت قبرًا من دون ملامح لأعود وأتحد مع الأرض التي تم انتزاعي منها منذ زمن طويل، وكي لا يقلق أحد منامي إلى يوم القيامة .
هذا الاقتناع ذهب أدراج الرياح بعد ثرثرة مع سائق التاكسي الذي كان يحدثني مواسيًا نفسه، فبعد العمل  40 سنة في منطقة الخليج لم يتمكن من شراء بيت أو الاستثمار في بقالة يتعكز عليهما في كبره. قال لي : أنا غير مهموم، ففي الهند سأسكن في أحد أضرحة الصالحين، فهناك في كل يوم يأتي أحدهم موفيًا نذره في إطعام ألف أو ألفين من المساكين وفقراء الولي الصالح.. لحظتها أحسست بالغبطة من الولي الميت الذي يقدم الطعام لألفي مسكين يوميًا
وغيرت اقتناعي بقبر يتماهى ذائبًا في الأرض، فجمعت أولادي قائلة:  إذا أخفقت في أن أكون ولية صالحة، عليكم بدفني في صرح معماري سياحي مثل تاج محل يذهب ريعه لإطعام الفقراء والمساكين.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى