فنون

“وْلادْ بَديعَةْ”.. قراءة فنية هنادي صادق دِرخباني    –     الإمارات

                           

هنادي صادق دِرخباني

حَفِلَتْ الدراما السوريةُ هذا العام بمجموعة من البرامج المتنوعة، ولقد بلغت من الكثرة الكاثرة استعارة الممثل الواحد للتمثيل في أكثر من مسلسل، ما يجعل المشاهد في حيرة واندهاش أمام ما يرى من تعدد لَعِب الممثل عددًِا من الأدوارِ، في عدد من المسلسلات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بلغ الأمر عند بعض الممثلين أن قدموا عروضًا ترويجية ودعايات لأنواع من السلع والخدمات،مما يوقعك أكثر في إرباك وارتباك يجعلانك بحاجة إلى الاستعانة بقريب أو صديق كي تضع الأمور في نصابها.

ملفات منسية، “مال القبان”، “أغمض عينيك”، “بيت أهلي”، “كسر عظم السراديب”، “العربجي”، “ولاد بديعة” وغيرها من المسلسلات.

الحديث عنها جميعا يطول، ويحتاج إلى وقفات كثيرة، لذا سنتحدث عن المسلسل الأكثر مشاهدة، والأكثر استقطابًا، والأكثر نجاحًا وانتقادًا وحديثًا في وسائل التواصل الاجتماعي.

إنه مسلسل”وْلاد بديعة”. عمل آخر، وإبداع جديد يحسب للمخرجة المبدعة الشابة الجميلة رشا شربتجي ابنة المخرج المعروف هشام شربتجي، ويُضاف إلى قائمة أعمالها المتميزة، ونجاح آخر إلى قائمة نجاحاتها الكثيرة أمثال :”كسر عظم ج1″ و”مربى العز ” وغيرها من المسلسلات التي نجحت نجاحًا كبيرًا، وما زالت إلى اليوم في ذاكرة المشاهدين ووجدانهم.

وفي الحقيقة لا أريد أن يختلط الحابل بالنابل، فإن حديثي عن رشا وتميزها قد يمازجه حبي وإعجابي الشديدان لها، ولشخصيتها القريبة من القلب، المحببة إلى النفس. فقبل أن تكون مخرجة، هي إنسانة خجولة ،متواضعة، محبة، طيبة، تحترم وتقدر كل من يعمل معها، وتعطي كل ذي حق حقه. وليس بعيدًا ذلك اليوم الذي ستتوج فيه على عرش الإخراج العربي.

وإذا تكلمنا عن إبداع “رشا” فهو إبداع مبني على إبداع الكاتبين: علي وجيه ويامن الحجلي، ولم يرض يامن أن يكون كاتبًا مبدعًا فقط، بل أراد أن يثبت جدارته وتميزه في التمثيل، فكان أحد الأركان التي تقوم عليها حلقات المسلسل جميعًا، ومهما حاولت أن تنسى شخصية ياسين، فهي لا تفتأ تطاردك وتلح عليك.

اما “بديعة” تلك المرأة الساذجة البسيطة التي أوقعتها سذاجتها بين أنياب عارف الدباغ فاستغلها أبشع استغلال، ثم سرعان ما اكتشف أنها أكثر طيبة وإنسانية من زوجته الثانية.

وقد ظهرت قدرة الممثلة الشابة “إمارات رزق” في أداء الدور-بديعة- وهي تلوح عليها أمارات الخبل، وعلامات التخبط، وعدم استواء الشخصية، إلا في ما يتعلق بغريزة الأمومة، ما جعل المشاهد لأدوارها الأخرى ينسى شخصيتها الحقيقية.

ومع أن الممثل سامر إسماعيل الذي قام بدور “شاهين” في المسلسل، تألق كثيرًا في مسلسل الجزء الأول من “كسر عظم” فإن دوره في “ولاد بديعة” زاده تألقًا وتوهجًا، فرجولته، وشهامته، واستذكاره لمعاني الرجولة، وقيم الشرف، ذكرتنا بحقيقة الشخصية السورية.

 أما سُلاف معمار التي لعبت دور “سكر” فقد كانت سكرًا بما في الكلمة من معنى، فقد تماهت في شخصيتها إلى أبعد الحدود قوة في مواطن القوة، وضعفًا وذلًا في مواطن الضعف والذلة، وإذا كان المشاهد قد تابع دورها الرائع في “زمن العار” فإنه بلا شك سيرى نجاحها وتفوقها أكبر وأروع في “ولاد بديعة”.

أما الممثل محمود نصر الذي قام بدور “مختار” فقد بلغ  في الاحترافية والتماهي في شخصيته إلى حد التقمص والذوبان، فمن يراه لا يشك في أنه درس الحالة النفسية التي تقمصها دراسة وافية متعمقة، أو لعله جلس إلى طبيب نفسي حتى يتمكن من الولوج إلى عمق شخصية المريض بذلك المرض.

ومما يذهلك أنه في”ولاد بديعة” لعب دورًا مغايرًا تمامًا، بل مناقضًا لدوره الذي أحببناه فيه في مسلسل  

” الندم”، فقد كان هناك طيبًا، مثقفًا، معطاءً، كريمًا، أما هنا فتراه مجرمًا،حاقدًا، لا يشغله إلا المال وحب الانتقام ممن يقف عقبة أمام أهوائه ومصالحه.

ولا أنسى الأدوار الأخرى الثانوية التي لعبها ممثلون اجادوا وأبدعوا؛ مثل “الوفا الشامي”، و”هديل” وأبيها، و”أم سليم”، و”أبي الهول”، و”ذراعي”، و”البرنس”، الذي لفت الجمهور بلكنته وصفيره، وغيرهم من الممثلين والعاملين في المسلسل.

وإذا كان العاملون جميعًا يستحقون التكريم على نجاحهم وتميزهم في هذا العمل المبهر، فإن التكريم الأوفى يجب أن يكون من حق المبدعة رشا التي وقفت على كل حركة وسكنة في كل دور لكل ممثل في هذا العمل الجميل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. قراءة جيدة ناقدة لمسلسل” ولاد بديعة” ، وتحليل عميق لشخصياته، وثناء في محله للمخرجة الشابة ” رشا شربتجي-، وحبذا لو كان مفهوم النقد عند النقاد جميعا مثلما فهمته ومارسته الكاتبة ” هنادي” ذكر صريح للحسنات، وتلميح غير صريح إلى السيئات، فلا يوجد عمل كامل، كما لا يوجد عمل مبرأ من النقد.
    وأخيرا:
    تشرفنا بانضمام قلم جديد إلى أسرة البعد المفتوح ، راجين الاستمرار والتوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى