مقالات

“الزراعة مهنة أهم من منصب وزير”  خية الحبسي    –    الإمارات

خية الحبسي

 إن الزراعة أمانة ثقيلة، وإن مهنة المزارع أعظم من المناصب، فلماذا يُجَلّ صاحب المنصب ويعَلّ المزارع؟

من نعم الله تعالى على عباده نعمة الأرض التي فرشها الخالق بين أيدينا وجعلها قرارًا واستقرارًا، والأمانة التي حملها الإنسان ثقيلة في إعمار الأرض وبناء الإنسان ورعاية الأنعام،

 ومن نشأة الأرض صارت الزراعة أسمى المهن قال تعالى :(فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)).

 صدق الله العظيم

 حث الرسول ﷺ على الزراعة فقال: “لا يزرع مسلم زرعًا غرسًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”.. رواه الإمامان البخاري ومسلم.

الزراعة مهنة أعظم من منصب الوزير لماذا؟ لأن الوزير وضع نصب عينه بعد تخرجه المهنه المرموقة.. درس تعلم والهدف إما شغل منصب وإما تحصيل راتب ضخم ليعيش حياة الرفاهية، أضف إلى ضحالة هدف النفس البشرية التي تقود إلى الطمع مهما جمع، فترى الوزير يقضي بوزارته زمنًا، لكن التغيير معتل يحتاج إلى صيدلية من العلاج، وقد يخون الأمانة ويكبِّد الخسائر، ربما من الذين تمسكوا بذريعة (نطبق القوانين) وكأن القوانين وضعت للتهرب أو التنصل، وليس من أجل أخذ الحقوق والالتزام بالواجبات، وفي المقابل، المزارع هدفه ليس نجاح مشروعه وإنما زرعه،  وإن درس علم الزراعة أو لم يتعلمة، فهدفه هو الإنتاج من ثمار العمل أي  الزراعة.  أقول: “علم الزراعة” لأن الزراعة فعلًا علم، فهي تحتاج إلى معرفة  وكيمياء،فيزياء،رياضيات ،جيولوجيا،مهارة ،هندسة ،فلسفة ومنطق. فعلًا هي كل العلوم،  فالمزارع عندما يتسلم الأرض أول ما يقوم به هو التعرف إلى طبيعة الأرض، و بعيدًا عن القوانين يطبق إلمامه في الزراعة وشيء من الموروث وبعض مما درس وشيء من الفراسة وتمزج جميعها في قالب المزارع لتشكل خبرة  ودراية، فيبدأ باستصلاح الأرض ويقتلع الضار، و يباشر العمل فورًا بلا رسميات أو تنصيب، ويهيئ البيئة المناسبة للزرع فيغرس بيده أول بادرة لماذا؟ ليطمئن إلى أن النبتة غُرست سليمة فتحل البركة في زرعه،ثم تنتقل إلى ماله وعياله، و يسقيها بجهده،و يجود عليها باهتمامه لماذا في رأيكم ؟  لأن المزارع يبتغي شيئين من مزرعته: البركة و جني الثمار، لا العظَمة وجني المال.

الوزير لم يخطر بباله الإنسان والطير و الحيوان والدواب، أو حتى الصدقة أو النفع العام  وحد الاكتفاء، بينما المزارع وضع أمام ناظره الإنسان وما يترتب له في دورة حياته من غذاء نباتي وحيواني، وخطر في باله قبل أن يزرع أن الطير سيأكل ، وأنه سيحمل لجاره سلة من محصوله، وسوف يأكل مع أسرته من المحصول،ويأكل المزارعون مما زرعوا،والتالف من المزروعات يعطى للمواشي،وهناك دواب دورة حياتها النبات.

هذه العطايا صدقة جارية من أجلها حلت البركة على المزرعة، وبعد أن قطع المزارع أشواطًا من التفاني في العمل أتى الموسم فاستبشر الخير، وثق بأن جهده سيثمر أفضل الأصناف وألذ الأنواع. الوزير يقتنص فرصة،بينما المزارع يمنح الفرص كيف؟

الوزير لا يمكن أن ينسب النجاح لكواليس العمل، لكنه يتصدر المنصات والاحتفالات، في حين كان يأتي من مشوار خاص به يتفانى أشخاص آخرون خلف الكواليس لإنجاز عمل ينهك الأجساد ليأتي الوزير ويقف في زوايا أبعد أن تكون عن الكواليس تلتقط له الصور لتمنح لشخصه فرصة الظهور.

المزارع لا يمكن أن يسعد إلا بزرعه، والزرعه لا تحيا بدون مزارع، يعني نستطيع أن نعيش بلا وزير، لكن لا نستطيع نأكل بلا مزارع.  المزارع  يمنح الحياة فرصة للاستمرار فالاستقرار، أما الوزير فيقضي بقراراته على أمل الفرص.

رغم الدور البالغ الأهمية للمزارع، نحن لا نراه فوق أكوام البطاطا أو البطيخ أو الطماطم أو البصل، يلتقط الصور،أو يحتشد المحتفلون حفاوة بوصوله، والسخيف من أمرنا أن أصناف المحاصيل الغذائية الأساسية التي لايمكن الاستغناء عنها بما في ذلك طعام الوزير هي مزروعة بيد المزارع. المزارع يغمس يده في التراب والوحل و العمل مع باقي المزارعين بعلاقة وطدت بينهم الحب في كواليس العمل، ويخرج  من مزرعته بالمحصول الناضج يعطي الحياة استقرارًا واكتفاءً غذائيًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى