مقالات

بين العامية والفصحى (28) د. أحمد الزبيدي         –         الإمارات 

"أباطيل وأسمار " (6) نظرة محمد شحرور إلى الفقه والفقهاء

د. أحمد الزبيدي

 

قال شيخ المعرة رحمه الله:

هل صَحَّ قَولٌ مِنَ الحاكي فَنَقبَلَهُ

أَم كُلُّ ذاكَ أَباطيلٌ وَأَسمارُ

أَمّا العُقولُ فَآلَت أَنَّهُ كَذِبٌ

وَالعَقلُ غَرسٌ لَهُ بِالصِدقِ أَثمار

سعى شحرور -وسعيه مَأْزورْ- بكل ما أوتي من قوة وإمداد يرمي بسهامه الفقه الإسلامي بالطعن والانتقاد ، يريد بذلك التقليل من أهميته، وإثبات أنه لم يعد قادرًا على تقديم الحلول للكثير من المشكلات المعاصرة، وهذا ما حمله على طرح مشروعه: قراءة معاصرة للفقه الإسلامي، تُحَرِّرُهُ من آصار الموروث، وتجعله يراعي مُتَغَيِّرَاتِ الواقع المعاش، فدعا إلى تجديد الفقه الإسلامي من خلال إعادة قراءة الكتاب الحكيم، وإعادة النظر في المسلمات والتسليم التي تعدّ السنة النبوية مصدرا ثان للتشريع، وكذلك تجديد مقاصد الشريعة الإسلامية والتشريع.

وقد وصفه -الفقه- بأنه تراث إسلامي، وقوله هذا مغالطة كبرى، يدل-إن كان لا يدري- على جهل كبير، وإن كان يدري على خبث خطير!

وقديمًا قال الشاعر:

فَإنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِيْ فَتلْكَ مُصيْبَةٌ

 وإنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمُصِيْبَةُ أَعْظَمُ

وَمَا أَنْتَ إِلا جَاهِلٌ ثُمَّ ظَالِمٌ

وأَنَّكَ بَيْنَ الجَاهِليْنَ مُقَدَّمُ

نقول هذا لأن الفقه الإسلامي -كما سنبين قريبًا- يقوم على قسمين من الوحي:

الأول: نصوص الكتاب والسنة.

الثاني: يقوم على اجتهادات العلماء المستنبطة من الكتاب والسنة. فالحكم عليهما بحكم واحد يدل على جهل مطبق، وتدليس وتلفيق.

أهمية الفقه وماهيته

يُعدّ الفقه الإسلامي من أجل العلوم الإسلامية وأعظمها تأثيرا على المسلمين، لأنه ثمرة معالجة مشاكل الإنسان في الحياة. وإذا كان الإسلام هو عقيدة وشريعة؛ والعقيدة هي الجانب النظري الذي يتطلب الإيمان الجازم به؛ كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره،فإن الشريعة نٌظمٌ شرعها الله -سبحانه وتعالى- أو شرع أصولها ليأخذ الإنسان به نفسه؛ في علاقته بربه، وعلاقته بإخوانه، وعلاقته بالكون والحياة، على أن الفقهَ قد وُلِدَ معَ بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان هو المرجع الأساس لمعالجة ما يجدُّ من مشاكل الناس. قال تعالى : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}. [سورة النحل: 44]. ولم يكن ذلك لأحد غيره صلى الله عليه وسلم، واستمر ذلك الحق له صلى الله عليه وسلم منذ بعثته حتى وفاته. حتى إذا انتقل إلى الرفيق الأعلى، فُتح بوفاته بابُ الاستنباط فيما لا نص فيه من سنة أو كتاب، فنصوصهما جاءت بأحكامٍ لحوادث قد وقعت، ومعالجات لحوادث قد نزلت، وليس لحوادث يُحتملُ وقوعها.

 ومع مرور الزمان استجدت حوادث الإنسان التي لم تكن قد وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوجد نصٌّ في الكتاب والسنة على حكمها، كذلك فأن نصوص الوَحْيَيْنْ لا يستطيع المسلم العادي غير المتعلم أن يستنبط منهما، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى غير المتعلمين سؤال العلماء، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. [النحل: 43].

وقال : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. [سورة النساء: 83]

فقه الصحابة :

كانت طريقة الصحابة في الأحكام الشرعية، أنهم إذا وجدوا نصا في الكتاب أو السنة وقفوا عنده ثم عملوا على تطبيقه، وإذا لم يجدوا اجتهدوا لاستنباط الحكم، فكانوا يقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص ويعتبرون المصلحة الشرعية علة للأحكام. قال ابن القيم-رحمه الله- أعلام الموقعين (ج2 ص383) :” [فالصحابة -رضي اللَّه عنهم-]  مَثَّلوا الوقائع بنظائرها، وشَبّهوها بأمثالها، وردُّوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء بابَ الاجتهاد، وَنَهَجُوا لهم طريقه، وبيّنوا لهم سبيله.

عن يعلى بن أمية وذكر قصة الذي قتلته امرأة أبيه وخليلها، أن عمر بن الخطاب (رضي اللَّه عنه)، كتب إليّ أن اقْتُلْهُمَا فلو اشترك فيه أهلُ صنعاء كلهم لقتلتُهم ، قال ابن جريج: فأخبرني عبد الكريم وأبو بكر قالا جميعًا: إن عمر كان يشك فيها حتى قال له عليّ: يا أمير المؤمنين، أرأيتَ لو أنَّ نفرًا اشتركوا في سرقة جَزُور، فأخذ هذا عضوًا وهذا عضوًا، أكنتَ قاطعَهم؟ قال: نعم، قال: وذلك حين استخرج له الرأي .

هذه نبذة يسيرة عن طريقة الاستنباط في الشريعة الإسلامية، وصورة ما كان عليه الفقه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، ومن خلال ذلك تستطيع أيها القاريء الحصيف أن نقارنها بما يسمى بطريقة محمد شحرور في الاستنباط، وقد قصصت عليك شيئًا منها في  المقالات السابقة، تاركًا لك القرار في الحكم عليه وعلى مشروعه التدميري الذي يقوم إلا على أساس من المزاج والهوى والتحريف!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى